جدة . نسرين العزام . نبراس
تطابق القول والعمل، وإفتقارنا له مازالت مشكلة عصرنا الحديث في مجتمعاتنا تحديدا ، وغاية لم تدرك بعد في مجتمعنا ، حيث مازال الجهل في هذا الضرب يتضاعف ويتعمق، وينمو دون الإلتفات لعواقبه وأهمية إستدراكه، وحاجتنا للشفافية والمصداقية مع غيرنا تتفاقم ، على الرغم من حاجتنا لها مع أنفسنا أولا،ناهيك عن تداخل المفاهيم واختلاط المصطلحات.
تزداد المسافة بين حجم ونسبة القول والعمل في الأمرعينه وتتسع، حتى أصبح الفرد الصريح والواضح في مجتمعنا العربي للأسف مستهجن وفظ ، يفتقر إلى "إتكيت" المجاملة، والتي بدورها إمتزجت بالمداهنة ،وفي زمن إلإنقلابات حتى موازيين الصدق إتقلبت على أهلها وبات الصادق والشخص الموضوعي والدقيق في وصفه للحالة وتجاوبه معها هو الشخص القاسي أو الفظ والساذج أحيانا ، ونقيضه أصبح الشخص المرغوب والمهذب لأنه يملك حرفة اللعب بالكلمات والعزف على المفاهيم والمصطلحات ،حتى كادت أن تقطع الشعرة التي تفصل بين المجاملة والنفاق، نعم يصبح الفرد منافقا دون أن يعترف، وذلك عندما يفوق قوله وكم كلماته وعددها حجم قدرته على الفعل وواقع إمكانياته في العمل فعليا بمراحل، وخاصة في وقت نحن فيه بأمس الحاجة لفعل وليس للكلمات المنمقة والأقوال المجازية ، التي نستعين بها لمجاراة ومماشاة الموقف الطارئ في لحظته فقط ، لنتنصل منها فيما بعد، أوحتى ننسى أننا تفوهنا بها، ثم نردف ولا نستدرك مستهجنين أنفسنا " لقد قلنا فقط ..لقد كانت فقط كلمات...." لم تكن فقط كلمات.. فهنالك كلمات تحمل وعودا وحرية ، وهنالك كلمات تزرع الأمل في صحراء الإنسانية، وهنالك كلمات تحدث فوضى قوية وزلازل .
لقد وصفنا كعرب بأقوى الصفات الإيجابية والإنسانية ، ولكننا في كثير من المواقف تنازلنا عنهاطواعية عندما دخلنا في ثقافة العيب والحرج واستسلمنا لمصطلح" المجاملة" وفضلنا الدخول في متاهات " اللف والدوران والمماطلة " تحت مسمى الذكاء الإجتماعي "الزائف "، وتمادينا ففقدنا أهم مايميزنا من مصداقية ومباشرة في القول وموضوعية في أحكامنا وتعاملاتنا، ودقة في مواعيدنا، تركناها مخيرين ..تركناها طواعية وبكامل حريتنا ، والأنكى من ذلك أننا ننحني إعجابا ونرفع القبعات عندما نصف تغايرنا مع خلافنا من الشعوب الغربية بالصراحة والموضوعية والدقة في المواعيد وتقييم الوقت ، وكأننا لانعرف بديهيا بأن الصدق أقصر الطرق وأوضحهها معالم ، وبأن "الوقت يعني الحياة " دون أن نحتاج لإستيراد هذه البديهيات حتى من الخارج، ثم نقف متعجبين ونستهلك ذواتنا مرارا ونتساءل مكررين: متى نصل إلى هذه المرحلة ؟ متى يطابق قولنا عملنا؟؟