الأستاذة كوزيت الخوتاني
حين يولد إنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفّس هواءها ويحيا بين أهلها فإنَّ فطرته تربطه بها فيحبّها ويواليها، وكم يحنُّ إذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذل المهج لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري في العُروق، وتخفق بها القلوب، فالوطن فِي الإِسْلاَمِ شأن عظيم، والتَّفريط فِي حقِّه خطر جسيم، إِذ الإسلام دِينُ الفطرة، والنَّفوس فطرت على حبِّ ما ترعرعت فيه مِن البلاد، وهذا هو الوطن الخاصُّ بكلِّ فرد أو جماعة، تراهم يبذلون لرقيِّه كلَّ جهد واستطاعة، إليه تشرئبُّ نفوسهم، وفيه تأنس قلوبهم، وبه تتعلَّق مشاعرهم، وهذا ليس بدعًا فِي الدِّين، فعن ابن عبَّاس -رضِي اللهُ عَنهُما- أنَّه قال: قال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لمَكَّة: ( مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إِليَّ، وَلَولاَ أَنَّ قَومِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ).
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي
يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي.
فالأَمن والسَّلام، وَالوحدة والوئام، فوحدة الصَّفِّ غَاية مقدَّسة في الإِسلام، ولأَجلِها فُرضت الفرائضُ وشُرِعت الأَحكام، وتدبَّروا في معانِي أَركَان الإِسلام الخمسة تجدوا فِيَها زادًا لِلإِتِلاف، وبَلسمًا مِنَ الفُرقة والخِلاَف، وإِنَّ من الوفاء للوطن الوقُوف بحزم وصرامة في وجه الأَفكارِ الدَّخيلَة ومروِّجِيها، والتَّصدِّي للثَّقَافة السَّقيمَة وناشريها، تلك الأَفكار التي تُؤَسَّس على مبدءِ الإقصاء للآخر، واعتبار أنَّ من لم ينهج منهجي فهو مفارق، إِنَّ العبث بِالمنجزات، وتعطيل المرافق والخَدمات، وزعزعة وحدة المجتمعات، كلُّها من خيانة الأَمانة والإفساد فِي الأَرْض، توعَّد الله عليها أليم العذاب، وأَعدَّ لِمُرتَكبيها شديد العِقاب، قَالَ سبحانه: ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يحارِبون اللّهَ ورسوله وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فسادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)).
وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.
ولاشك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته. كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
والحبُّ للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء.
الدعاءُ تعبيرٌ صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذبٌ، أو مبالغة، أو نفاق؛ لأنه علاقة مباشرة مع الله .
وختامًا: إن هذه الأيام مليئة بالرياح والعواصف فتنبهوا أيها الأحبة من الرياح التي تهب علينا يمينا أو شمالا، ولا تنجرفوا مع الرياح العاتية التي تدمر، وتنبهوا من الفتن، وتنبهوا مما يحاك ضد مصلحة مجتمعنا ووطننا، اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.