الأستاذة فتحية منديلى1
تساؤول غريب وجوابه مريب ، لما نسمعه من حدث عجيب أو ماتقرأه في الصحف من أمر غريب، من تلاشي الأمانة وتفشي الخيانة لما يحدث أحياناً في الاإدارة إحدى المؤسسات الاجتماعية بشعاً ، وما يحل بها من نكسة وقعاً، نتيجة تهور البعض من موظفيها في العمل خلقاً ، وسوء سلوكه فيه سيراً، ما أدى إلى إضمحلال مكانة هذه المؤسسة إجتماعياً، وسوء سمعتها خلقياً ، وهوت بإثرها شؤونها الدبلوماسية ، وتدهورت بموجبها أحوالها الإقتصادية ، ماحال دون تحقيق أهدافها الغرضية ، والاضطرارغالباً إلى إغلاقها وتوقفها لفترة زمنية عقوبة لما أرتكبته خطأ وما أقترفته عبثا ، ماسبب فساد قيادتها وترهل إدارتها ؛
فالترهل الإداري ماهو إلا حالة مرضية يمكن أن تصيب النظم الاجتماعية وهي حالات بيرو باثولوجية Bureaupathology أى أن لها علاقة بالاختلالات الإدارية في المنظمات الاجتماعية التي ينجم عنها العبث في مقدرات هذه النظم والاستغلال والتلاعب في حياة المجتمع ،
فالترهل والفساد الإداري يعنيان سوء استخدام المنصب لغايات ومآرب ضيقة وشخصية وتتضمن قائمة الفساد على سبيل المثال لا الحصر " الابتزاز "، واستغلال النفوذ ، والمحسوبية ، والاحتيال والرشوة والاختلاس ، وغيرها من الظواهرالسلوكية
اللامحمودة خلقاً وغير المقبولة شرعاً، لما تسببه من بلبلة العمل قلقاً ، وماتزرعه من إرباك المؤسسة فوضاً، وما يزج بها إلى نهاية سيئة جداً، لما أصابها من فساد وترهل في إدارتها وضعاً، وربما نتج ذلك من سوء إختيارها للقوى البشرية المناسبة لإدارتها كفؤاً ، والفئة الصالحة لمسيرتها عملاً ، الأمر الذي أوصلها إلى نهاية وخيمة، ومصير أليم ،
فالترهل الإداري في حقيقته : هو استخدام المدخلات وتوظيفها بشكل غير أخلاقي لمنفعة شخصية واستفادة إقتصادية وهو مؤشر على وجود أزمة أخلاقية في السلوك يعكس خللاَ في القيم وانحرافاَ في الاتجاهات عن مستوى الضوابط والمعايير السليمة مما يؤدى إلى فقدان الجهاز الإداري المعني لكيانه الفعلي متجها به لتحقيق مصالح منظومة فاسدة من العاملين متعايشة داخل النظام ، إذ إنه وبالرغم من احتفاظ النظام بشكلية الكيان الموحد إلا أن قواعد ونظم العمل الرسمية الموحدة فيه حلت محلها قواعد وإجراءات عمل متصارعة ومتضاربة وتخدم أهداف ومصالح التجمعات الفاسدة والمترهلة المتعايشة مع النظام ، وبذلك يمكن التعبير عن الترهل والفساد الإداري بالمعادلة التالية ذكراً:
الترهل / الفساد الإداري = احتكار حرية استنساب – الخضوع للمساءلة
بمعنى أن الترهل / الفساد يوجد حيثما توظف منظمة ما أو شخص صاحب سلطات وصلاحيات ما هو ممنوع لهم بطريقة غير موضوعية مع تغليب الصالح الخاص على الصالح العام ، ومن ثم تحكيم الهوى والميل في صناعة القرارات واتخاذها. بمعنى حدوث نوع من الاحتكار للشيء أو الخدمة المعنية في الوقت الذي تمارس فيه حرية الاستنساب بمعنى تتسيب من يتلقى هذه الخدمة ومن يستفيد منها ومقدار ما يحصل علية منها دون خضوع للمساءلة ، ودون الشدة في المتابعة وبين جنبات تلكم الظروف وأعاصير هذه الغيوم تكون الفرصة مواتية لغائبي الضمير وضعاف النفوس أن يعبثوا بالإدارة كيفما شاءوا ويخططوا فيها لكل رغبة أرادوا بأساليبهم الوضيعة وطرقهم الدنيئة المخالفة لسيرالعمل، والمنافية لقيم العمل ، والتي بإثرها ضعفت الرتابة البيروقراطية المنسقة للأداء وأختل عمل المنظمة المعد للإنجاز، فحل الفساد وورد الشتات وترهل الأداء، وهذا مايردفه قول الحكماء "من أمن عقوبة سوء خلقه في إدارة العمل أساء تصرفه في أداء العمل " وللترهل الإداري أساليب سلبية شكلاً ساهمت بشكل أو بآخر في التخطيط لهذا الفساد عنواً ، ما سبب لضياع كل من شارك في ارتكاب هذا الخطأ عمداً،أوساهم
في فعله عملا ؛ ومايلي ذكره يوضح المقصود فهمه :
١- تلقي الموظف في المؤسسة مكاسب خاصة بشكل غير قانوني مقابل تقديم خدمة محددة لشخص ما .
٢- التحايل على القانون لمصلحة شخصية .
( شخص معين ) حتى يتمكن من إنهاء معاملة الشخص ذاته ، حتى وإن كانت بطريقة غير رسمية .
٣- المحاباة المكثفة لشخص ما لما لديه من محسوبية ( واسطة ) وهو مايلزمه إنهاء معاملته ليصل إلى مطالبه الشخصية .
٤- إساءة استعمال السلطة المفوضة بالرشوة أو الإختلاس أو غيرها من أساليب التحايل للتمكن من تحقيق ماخطط له غرضياً.
إلا أنه ماهو سائد عرفاً وما هو جاري في إدارة المؤسسات نمطاً ، مايغلب عليها من محدودية الخضوع للمساءلة قانوناً لكل من إرتكب خطأ، وإنزواء المعايير السلوكية والبعد عن أخلاقيات العمل السوية ، والذي كان من نتائجه خلق الفوضى والاضطرابات في المؤسسة ربكاً وإنحلال ذمام أمورها ضججاً.
ويعزى الترهل والفساد الإداري في المجتمع إلى تراجع في المستوى الحضاري والتراجع في القواعد التنظيمية والضعف في نتفيذ الخطط الإجرائية ، وعليه فلا يمكن اعتبار الفقر سبباً في الترهل والفساد الإداري كما ينادى فئة من الآخرين بذلك .
ولعل من الآثار المترتبة لحدوث الترهل الإداري على المؤسسة خسراً :
- إخفاق الثقة بالمؤسسة وفقدانها.
- عدم الاستقرار السياسي والإداري والإجتماعي والإقتصادي لديها.
لذا لابد من وضع استراتيجيه لمكافحة الترهل والفساد الإداري في البيئة الإدارية لجميع المؤسسات الاجتماعية بما يوضحها الآتي قوله .
- وضع أنظمة وقوانين صارمة لمعاقبة المتورطين في قضايا الفساد.
- إنشاء لجنة عليا مستقلة للتحقيق في التجاوزات والشكاوى المتعلقة بقضايا الفساد.
- إتباع سياسة المصلحة العامة والكفاءة في تولى المناصب الإدارية وغيرها.
- التركيز على الوقاية عن طريق إصلاح الأنظمة الفاسدة.
- تحسين مستوى المعيشة للعاملين
وبين ويلات هذه المشكلات والمعنآة من هذه المعضلات التي تورطت فيها البعض من المؤسسات الذي حذى بها الوقوع تحت وطأة هذه الترهلات وسقوطها في بؤرة هذاالفساد ليس بوسعنا إلا أن نقول ماقاله رسولنا وهادينا : "إذا أسند الأمر في غير أهله فأنتظروا قيام الساعة " لأن من أولويات الأنتساب لأي عمل ما : أن يؤدب المرء نفسه ويراقبها وأن يطلب فيه قدر من العلم تفقهاً في بنائه وتفانياً في صلاحه وتقدماً لتطويره وأن يخلص في أداء العمل الذي أقامه الله فيه ليس ابتغاء الأجر ، وإنما ابتغاء وجه الله ، فمنزلته تكون بمقدار إخلاصه وليس بنوع العمل الذي يؤديه ، وحينما سأل إعرابياً رسول الهدى قائلاً : ماذاأفعل لأكون مسلماً؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام : " قل لاإله إلا الله ثم استقم" والإستقامة هي السر الجامع لكل هذه الأولويات وهذا هو الإسلام المدهش في عمقه ، والمنزه بحكمه ، والميسر لقدره، والمصلح بأمره ، والهادي لرشده ، هدانا الله جميعاً إلى سواء السبيل .