ما هو الرحيل ؟ هل هو رحيل الجسد ؟ أم رحيل المشاعر ؟
رحيل أمي له قصة معي منذ نعومتي أظافري ؛
جددها في نفسي اليوم رحيلها ؟!
عندما كنت طفلة صغيرة لا تدرك كثيرًا من المفاهيم - كغيرها في مثل سنها - ومن تلك المفاهيم مفهوم المرض والموت . كانت أمي آن ذاك تمرض كثيرًا وتدخل إلى المشفي بسبب مرضها - كان مرضها بسبب إجهاض جنين لم يشأل الله له البقاء في بطنها .
كنت أحزن عليها كثيرًا عندما تمرض وترقد بالمشفى وكان أبي والجيران من يتولى العناية بِنَا ، وفي أحد الأيام استيقظت من النوم ورأيتُ أمي ترقد على فراش المرض وقد تجمعت الجارات حولها أدركت أن أمي ربما تموت ؛ فرفضت يومها الذهاب إلى المدرسة - وفي نفسي هاجس لو ماتت أمي سوف أطلب ممن يضعها في القبر أن يضعني بجوارها -لأنني أحبها ولا أريد العيش بعدها ، هكذا كان تفكيري ، الذي لا يعلمه أبي ولا أي أحد سواي لم أبوح بتلك المشاعر يومها لأحد ، وبعدما كبرت كنت أضحك في نفسي على نفسي وأقول : كأن الناس سوف يطاوعونني ويدفنونني معها ، وبناءً على هذا الشعور رفضت الذهاب إلى المدرسة سنوات اعتقادًا مني أن عمل البيت يرهق أمي ويمرضها ، فلابد لي من ترك المدرسة لأساعدها في عمل البيت ،
وهنا بدأت مأساة والدي معي - رحمة الله عليه - بسبب رفضي الذهاب للمدرسة ، حاول بشتى الطرق والوسائل إقناعي بالذهاب إلى المدرسة بسرد القصص والحكايات عن أهمية العلم ، والمنازل الذي يصل إليها المتعلمين بتعليمهم ، وما مصير غير المتعلم ؟ ولكن رغم ذلك كل ذاك الكلام لم يؤثر في شيئًا ، لا حياة لمن تنادي ، ومن محاولته أيضًا أدخلني في أفضل مدرسة في ذاك الوقت دار الحنان ، ورغم ذلك لم تغيرني تلك المدرسة فلما يستمر دوامي فيها الا شهرًا ، كنت أرفض الذهاب ليس بأسلوب مباشر لأَنِّي كنت أحب والدي كثيرًا وأيضًا أخاف منه ، فكنت الجأت إلي أسلوب الحيل من إدعاء المرض وخلافه ، و بعدما تيقن والدي من عدم رغبتي في الذهاب إلى المدرسة ، ناداني ذات مساء وقال لي : إذا أنت غير راغبة في الذهاب إلى المدرسة على كيفك ، يومها كأنه ملكني الدنيا وما فيها من الفرح الذي أصابني !!؟؟؟
كيف لي لا أفرح وقد أعطاني ما أريد وهو البقاء في المنزل ومساعدة والدتي ! ! حتى لا تمرض ثم تموت ، ولكن كنت أعرف أن هذا القرار يؤلمه ، ويؤرق مضجعه ، فلم أظهر له فرحتي بقراره هذا حرصًا على مشاعره، ولكن ؛ في نفس الوقت تسللت من أمامه خلسة راكضة إلي أمي - رحمة الله عليها - أخبرها بقرار أبي - رحمة الله عليه - وكان أبي محبًا للعلم مثقفًا رغم قلة المثقفين أمثاله في ذاك الزمان .
قضيت حوال أربع سنوات في البيت بجوار أمي وأنا في غاية البهجة والفرح ، و تعلمت منها الطبخ ، وكنت أساعدها في كل شئ - رغم وجود صبي صغير - كمساعد .
وكانت أختي منيرة تذهب إلى المدرسة وتعود، و كل شهر تحضر تقرير نتائج أعمالها ، التي يشيد بها والدي على مسمع ومرأي مني بصوت مرتفع عله يدخل الحماس إلى نفسي ولكن ؛ عبسًا يحاول فالفكرة التي بداخلي وخوفي على أمي أهم من أي نجاح وجوائز وحوافز تمنح لأختي في نهاية العام.
وحرصًا من أبي عَلى مستقبلي أحضر مدرسًا لأختي وقال لي أجلسي معها ، كنت أجلس معها وأتعلم وحقيقة - كانت فكرة ذكية من رجل عظيم عرف قيمة العلم - عوضتني تلك الجلسات مع المدرس عبد الرحمن ما فاتني من سنوات ترك المدرسة ، وقد تعلمت من تلك الجلسات القراءة والكتابة ، وقواعد اللغة العربية للصف الرابع ، ومبادئ الحساب .
و بعد أربع سنوات كبرت وتحسنت صحة أمي ولم تعد تمرض مرضًا يضرها للمكوث في المشفى ، اشتقت ساعتها للعلم ، فذهبت إلى أبي وقلت له أريدك أن تسجلني بالمدرسة رفض في البداية من باب زيادة حماسي - لأن كل ممنوع مرغوب - وفي نفس الوقت اتفق مع وأمي بأن تسجلني بالمدرسة وقد تحقق لي ذلك وسجلت بالمدرسة وهناك تعرفت على البنات وبدأ الحماس للعلم يدب في نفسي وتم اختباري ووضعي في الصف الرابع الإبتدائي وعشقت العلم وأصبحت من المتفوقات خلال مراحل تعليمي ، وكان والدي كلما رأني منكبة على كتبي يبتسم إبتسامة رضى ممزوجة بحمد لله على أن هداني للتعليم في الوقت المناسب .
والحمد لله أكملت دراستي وأصبحت معلمة متميزة، و تدرجت في سلك الوظائف التعليمة وأصبحت مشرفة تربوية ، وكنت كلما أرى طفلة في الأسبوع التمهيدى متعلقة بوالدتها أقول لهم دعوها ، أتذكر ماضي لى ، وكانت ذكريات الطفولة تنتابني بين الحين والآخر فأضحك على موقفي من مرض أمي كلما تذكرته ....
و مرت الأيام والسنوات وتزوجت وأكرمني الله بمجاورة أمي في السكن ، ومرافقتها في كل المناسبات والزيارات والأعياد ، وكبرت أمي بعد ذلك ومرضت وتعلقت بي كتعلقي بها وخصوصًا عندما اشتدد بها المرض ؛ والآن رحلت أمي ! !!! وأثار رحيلها ذاك الشعور المؤلم الذي كان ينتابني في طفولتي واكتشفت أن مشاعري نحو أمي لم تتغير فلم أقوى على فراقها رغم كبري ونضوج عقلي .
وبدأت أسأل نفسي ما هو الرحيل ؟
فأتت الحقيقة لتخبرني أن الرحيل ليس بالجسد فقط ! ؟ بل هناك رحيل بالروح والعقل والقلب مع بقاء الجسد ؟ ! فأي رحيل أنت أيها الرحيل ؟
فعلًا رحلت أمي بجسدها ، وارتحلتُ معها بمشاعري كلها قلبًا ، وروحًا ، وعقلًا ، رحيل أمي أظلم نهاري ، وأرقى مضجعي ، وأدمع عيني ، وأدمى قلبي ؟ ! ؟ !
هذه مساحة حب أمي في نفسي بل ؛ حبي لأمي .
اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي ومن أمي .
رضيت بقضائك وقدرك فيما أملك ، فلا تحاسبني فيما لا أملك .
فرحيل المشاعر هو الرحيل ؛ بل هو أصعب وأقسى وأمر أنواع الرحيل .؟؟؟ !!!!!!
رحمك الله يا أمي ، رحمة الله يا أبي .
إبنتكما التي لا تفتأ عن الدعاء لكما .
ليلى طولة .
رحيل أمي له قصة معي منذ نعومتي أظافري ؛
جددها في نفسي اليوم رحيلها ؟!
عندما كنت طفلة صغيرة لا تدرك كثيرًا من المفاهيم - كغيرها في مثل سنها - ومن تلك المفاهيم مفهوم المرض والموت . كانت أمي آن ذاك تمرض كثيرًا وتدخل إلى المشفي بسبب مرضها - كان مرضها بسبب إجهاض جنين لم يشأل الله له البقاء في بطنها .
كنت أحزن عليها كثيرًا عندما تمرض وترقد بالمشفى وكان أبي والجيران من يتولى العناية بِنَا ، وفي أحد الأيام استيقظت من النوم ورأيتُ أمي ترقد على فراش المرض وقد تجمعت الجارات حولها أدركت أن أمي ربما تموت ؛ فرفضت يومها الذهاب إلى المدرسة - وفي نفسي هاجس لو ماتت أمي سوف أطلب ممن يضعها في القبر أن يضعني بجوارها -لأنني أحبها ولا أريد العيش بعدها ، هكذا كان تفكيري ، الذي لا يعلمه أبي ولا أي أحد سواي لم أبوح بتلك المشاعر يومها لأحد ، وبعدما كبرت كنت أضحك في نفسي على نفسي وأقول : كأن الناس سوف يطاوعونني ويدفنونني معها ، وبناءً على هذا الشعور رفضت الذهاب إلى المدرسة سنوات اعتقادًا مني أن عمل البيت يرهق أمي ويمرضها ، فلابد لي من ترك المدرسة لأساعدها في عمل البيت ،
وهنا بدأت مأساة والدي معي - رحمة الله عليه - بسبب رفضي الذهاب للمدرسة ، حاول بشتى الطرق والوسائل إقناعي بالذهاب إلى المدرسة بسرد القصص والحكايات عن أهمية العلم ، والمنازل الذي يصل إليها المتعلمين بتعليمهم ، وما مصير غير المتعلم ؟ ولكن رغم ذلك كل ذاك الكلام لم يؤثر في شيئًا ، لا حياة لمن تنادي ، ومن محاولته أيضًا أدخلني في أفضل مدرسة في ذاك الوقت دار الحنان ، ورغم ذلك لم تغيرني تلك المدرسة فلما يستمر دوامي فيها الا شهرًا ، كنت أرفض الذهاب ليس بأسلوب مباشر لأَنِّي كنت أحب والدي كثيرًا وأيضًا أخاف منه ، فكنت الجأت إلي أسلوب الحيل من إدعاء المرض وخلافه ، و بعدما تيقن والدي من عدم رغبتي في الذهاب إلى المدرسة ، ناداني ذات مساء وقال لي : إذا أنت غير راغبة في الذهاب إلى المدرسة على كيفك ، يومها كأنه ملكني الدنيا وما فيها من الفرح الذي أصابني !!؟؟؟
كيف لي لا أفرح وقد أعطاني ما أريد وهو البقاء في المنزل ومساعدة والدتي ! ! حتى لا تمرض ثم تموت ، ولكن كنت أعرف أن هذا القرار يؤلمه ، ويؤرق مضجعه ، فلم أظهر له فرحتي بقراره هذا حرصًا على مشاعره، ولكن ؛ في نفس الوقت تسللت من أمامه خلسة راكضة إلي أمي - رحمة الله عليها - أخبرها بقرار أبي - رحمة الله عليه - وكان أبي محبًا للعلم مثقفًا رغم قلة المثقفين أمثاله في ذاك الزمان .
قضيت حوال أربع سنوات في البيت بجوار أمي وأنا في غاية البهجة والفرح ، و تعلمت منها الطبخ ، وكنت أساعدها في كل شئ - رغم وجود صبي صغير - كمساعد .
وكانت أختي منيرة تذهب إلى المدرسة وتعود، و كل شهر تحضر تقرير نتائج أعمالها ، التي يشيد بها والدي على مسمع ومرأي مني بصوت مرتفع عله يدخل الحماس إلى نفسي ولكن ؛ عبسًا يحاول فالفكرة التي بداخلي وخوفي على أمي أهم من أي نجاح وجوائز وحوافز تمنح لأختي في نهاية العام.
وحرصًا من أبي عَلى مستقبلي أحضر مدرسًا لأختي وقال لي أجلسي معها ، كنت أجلس معها وأتعلم وحقيقة - كانت فكرة ذكية من رجل عظيم عرف قيمة العلم - عوضتني تلك الجلسات مع المدرس عبد الرحمن ما فاتني من سنوات ترك المدرسة ، وقد تعلمت من تلك الجلسات القراءة والكتابة ، وقواعد اللغة العربية للصف الرابع ، ومبادئ الحساب .
و بعد أربع سنوات كبرت وتحسنت صحة أمي ولم تعد تمرض مرضًا يضرها للمكوث في المشفى ، اشتقت ساعتها للعلم ، فذهبت إلى أبي وقلت له أريدك أن تسجلني بالمدرسة رفض في البداية من باب زيادة حماسي - لأن كل ممنوع مرغوب - وفي نفس الوقت اتفق مع وأمي بأن تسجلني بالمدرسة وقد تحقق لي ذلك وسجلت بالمدرسة وهناك تعرفت على البنات وبدأ الحماس للعلم يدب في نفسي وتم اختباري ووضعي في الصف الرابع الإبتدائي وعشقت العلم وأصبحت من المتفوقات خلال مراحل تعليمي ، وكان والدي كلما رأني منكبة على كتبي يبتسم إبتسامة رضى ممزوجة بحمد لله على أن هداني للتعليم في الوقت المناسب .
والحمد لله أكملت دراستي وأصبحت معلمة متميزة، و تدرجت في سلك الوظائف التعليمة وأصبحت مشرفة تربوية ، وكنت كلما أرى طفلة في الأسبوع التمهيدى متعلقة بوالدتها أقول لهم دعوها ، أتذكر ماضي لى ، وكانت ذكريات الطفولة تنتابني بين الحين والآخر فأضحك على موقفي من مرض أمي كلما تذكرته ....
و مرت الأيام والسنوات وتزوجت وأكرمني الله بمجاورة أمي في السكن ، ومرافقتها في كل المناسبات والزيارات والأعياد ، وكبرت أمي بعد ذلك ومرضت وتعلقت بي كتعلقي بها وخصوصًا عندما اشتدد بها المرض ؛ والآن رحلت أمي ! !!! وأثار رحيلها ذاك الشعور المؤلم الذي كان ينتابني في طفولتي واكتشفت أن مشاعري نحو أمي لم تتغير فلم أقوى على فراقها رغم كبري ونضوج عقلي .
وبدأت أسأل نفسي ما هو الرحيل ؟
فأتت الحقيقة لتخبرني أن الرحيل ليس بالجسد فقط ! ؟ بل هناك رحيل بالروح والعقل والقلب مع بقاء الجسد ؟ ! فأي رحيل أنت أيها الرحيل ؟
فعلًا رحلت أمي بجسدها ، وارتحلتُ معها بمشاعري كلها قلبًا ، وروحًا ، وعقلًا ، رحيل أمي أظلم نهاري ، وأرقى مضجعي ، وأدمع عيني ، وأدمى قلبي ؟ ! ؟ !
هذه مساحة حب أمي في نفسي بل ؛ حبي لأمي .
اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي ومن أمي .
رضيت بقضائك وقدرك فيما أملك ، فلا تحاسبني فيما لا أملك .
فرحيل المشاعر هو الرحيل ؛ بل هو أصعب وأقسى وأمر أنواع الرحيل .؟؟؟ !!!!!!
رحمك الله يا أمي ، رحمة الله يا أبي .
إبنتكما التي لا تفتأ عن الدعاء لكما .
ليلى طولة .