من يقرأ بعض الخطط والإستراتيجيات غير المعلنة لشركائنا الإقتصادين في دول الغرب يكتشف أن أصدقائنا في الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا يعملون منذ سنوات طويلة على محاولة تقليص إرتباطهم الإقتصادي الخاص بالواردات من البترول من دول الخليج وزيادة الصادرات لدول الخليج وإستثمار فوائض أموال الخلجين في مشاريعهم في الغرف . ولقد أستطاعت الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا بعد حوالي 20 عاماً من البحث العلمي إلى إستخراج النفط الصخري والغاز الصخري والذي سيعمل إلى وصول الولايات المتحدة إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي من النفط لإحتياجاتها الأساسية الداخلية سواءاً كانت صناعية أو إستهلاكية . حيث تحولت منصات إستيراد الغاز للولايات المتحدة إلى محطات تصدير للغاز الأمريكي وستستمر في إستيراد البترول الخليجي وغيره ليس لحاجتها الماسة وإنما للسيطرة على تجارة البترول في العالم وذلك عن طريق تخزينه بمخازن داخل وخارج الولايات المتحدة ثم إعادة بيعه عندما تتصاعد الأسعار عالمياً . وسار على نفس النهج حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا . وبناءاً على قراءاتي وتحليلاتي الإقتصادية فإن أوروبا أيضاً تسعى لتطوير تقنية إستخراج النفط والغاز الصخري وعندها سيتحرر شركائنا الإقتصاديون من الحاجة الماسة لبترولنا والغاز القادم من الخليج والذي كانت تعتبر بالنسبة لهم قضية حياة أو موت وسيصبحون في السنوات القادمة في موقف أقوى من حيث التفاوض التجاري مع دول الخليج . ويؤسفني كل الأسف أن بعضنا لازال مصراً على فكره وفلسفته القديمة بأننا سنبقى العمر كله مسيطرين على أسواق البترول في العالم وسنتحكم في الإقتصاد العالمي وسيظل شركائنا التجاريين يبحثون عنا ويرجون علاقات وطيدة لضمان إحتياجهم من النفط . أسطورة قديمة كسرها الغرب بالعلم والبحث العلمي . وبالفعل نجحوا ووصلوا إلى مراحل متقدمة . ويبقى المؤسف أننا لازلنا حتى اليوم نعتمد إعتماد كامل على الإستيراد من شركاءنا الإقتصاديين بل أزداد إحتياجنا من الواردات لجميع السلع من امريكا وأوربا وغيرها . ولم نخطط لأن نقتني أو نشارك في تقنيات متقدمة لنصنع أدنى إحتياجاتنا ، فالكهرباء التي تولد الطاقة لازالت مصانعها مستوردة والمياه التي نحلى بها مياه البحار لازلنا نستورد مصانعها ووسائط النقل بكل أنواعها من الطائرة إلى البايسكل لا زلنا نستوردها من الخارج وملابسنا 90% منها مستوردة القماش أو الجاهزة وغذائنا إبتدءاً من الدقيق والأرز والزيت والسكر والشاي والقهوة والفواكه والخضار لازالت مستوردة .
ولا أود الدخول في أدق التفاصيل ، وإنما أجزم أننا شعوب إتكالية أعتمدنا ولا زلنا نعتمد على أسطورة البترول الذي لا ينبض وإن العالم سيظل محتاج لنا على مر السنين . ولن أجادل كثيراً في قناعات الآخرين وإنما أقدم طرحي اليوم مطالباً بمحاولة تغيير وجهة بوصلة الشراكة الإقتصادية من الغرب إلى الشرق تدريجياً وعلى وجه الخصوص إلى الصين صاحبة أحد أكبر إقتصاديات العالم واليابان وكوريا الجنوبية والهند . فالصين أصبحت شريكاً تجارياً يعتبر الأول مع المملكة متقدمة الولايات المتحدة . وفي الشرق الأوسط وصلت حجم التجارة إلى 300 مليار دولار مع الصين . وتستثمر الصين حوالي 120 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في الخليج العربي وأضافت عشرة مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة في إستثمارات صينية في دول الخليج . وتعمل الصين على تطوير خط الحرير البحري الذي يربط المحيط الهادي بالمحيط الهندي . وهناك مشاريع تقوم بها لمد خط الحرير الحديدي بالسكك الحديدية والذي سيربط الصين بأوروبا وجميع الخطوط التي تربط الصين بأوروبا تلتقي بنقطة الوصل في الشرق الأوسط حيث يعتبر الشرق الأوسط هو نقطة العبور الأساسية بين الشرق واوروبا وأفريقيا . وبناءاً على تصريح وزير خارجية الصين مؤخراً أن الصين على اتم الإستعداد لبناء وتمويل خط سكك حديدية يربط الصين بالشرق الأوسط ويصل إلى دول الخليج . علماً بأن الصين تمتلك نصف خطوط السكك الحديدية في العالم وتقف الصين موقفاً مؤيداً مع العرب ودول الشرق الأوسط في قضية فلسطين موقفاً حازماً مطالباً بحقوق الشعب الفلسطيني . اما اليابان فقد أخذت تسير في إتجاهاً جديداً لبناء علاقات إقتصادية قوية مع دول الخليج وتحولت من دولة مصدرة إلى دولة مستثمرة وممولة لمشاريع إستثمارية تشارك فيها في منطقة الخليج وتسير كوريا الجنوبية في نفس الإتجاه وبدأت تتحول إلى بناء شراكة قوية مع دول الخليج ومنها المملكة العربية السعودية لتساهم في مشاريع البنية التحتية وبناء مشاريع صناعية مشتركة .
إن علاقاتنا الإقتصادية القوية مع الغرب خلال المائة عام الماضية لم نستطع من خلالها أن تضمن العلاقات السياسية الثابتة والداعمة لقضايانا المحورية بل أكتشفنا مؤخراً أن كثيراً من حالات الفوضى والإضطراب السياسي في منطقتنا العربية والإسلامية ورائها خطط خفية لم تراعي العلاقات السياسية والإقتصادية التي عملنا على بنائها وإحترامها على مر السنين الماضية . وهذا ما يدفعني اليوم إلى المطالبة من دول الخليج ورجال الأعمال بوضع خطة طويلة المدى ببناء شراكة إقتصادية قوية مع دول الشرق الصناعية وعلى رأسها الصين واليابان والهند وكوريا وبعض الدول الأخرى التي تحرص كل الحرص على توطيد علاقاتها مع دول الخليج ولا سيما أننا في قارة واحدة وهي قارة أسيا . والتركيز في المرحلة القادمة على بناء التقنية وليس شراءها .
د. عبدالله صادق دحلان
كاتب إقتصادي سعودي