الاستاذ / خالد عمر حشوان
في هذا اليوم سوف يتوقف قطار العمل الذي كنت اقوده منذ اكثر من خمسة وثلاثون سنة في مسار البنوك لمحطة التقاعد الاخيرة، وسأهبط منه الى غير رجعة مودعا هذا المسار بشريط من الذكريات التي كانت تجول في خاطري ..
في اخر هذه الايام الجميلة التي كنت استغرب فيها كيف استطعت ان اسير به في كل هذه السنوات مرورا بمحطات من التحدي والصعوبات والتقلبات الاقتصادية على المستوى المحلي والعالمي التي لن اتحدث عنها ولكنني افكر في هذه المحطة التي توقفت فيها وماذا سأعمل لها ..
أولا : فكرت في ان أبدأ بعمل خاص يساعدني على استغلال الوقت وزيادة الدخل الذي سوف يتأثر
بقرار التقاعد رغم أني موظف بنك ، وكنت أحسب كل خطوة قبل التقاعد جيدا .
ووجدت نفسي أفكر في الاستفادة من خبرتي في العمل الخاص، وهل سأنجح فيه مع الظروف الاقتصادية الحالية أم لأ ؟
بعد الجلوس مع نفسي بتأني واستشارة أهل الخبرات وجدت أن العمل الخاص هذه الأيام يعد مخاطرة كبيرة، خاصة لمن ليس لديهم خبرة في هذا المجال وخصوصا بعد تجارب بعض الزملاء، فقررت صرف النظر عن الفكرة تماما ..!
ثانيا : فكرت بصراحة في أمور عديدة منها تقصيري في أمور الدين الذي كنت عليه جرّاء العمل المتواصل، بحكم اننا نحن موظفي البنوك دائمي الانشغال ولا نترك مكاتبنا إلا قبل صلاة المغرب..!
فوجدت انه من الأفضل الاتجاه لله وطاعته واستثمار الوقت في تحسين العبادة ومحاولة التقرب من الله في هذه الفترة الأخيرة من العمر ، كالخيول الأصيلة التي تتضاعف سرعتها في الأمتار
الأخيرة لكسب السباق ، وكانت بصراحه هي أهم خياراتي وأولوياتي في التفكير .
ثالثا : فكرت في عائلتي التي قصرت معها مجبرا بسبب ساعات العمل الطويلة في البنوك وكيف يمكن تعويضهم عن ذلك بعد التقاعد ، ووجدت أنه يمكن عمل برنامج يعطي كل ذي حق حقه من الزوجة والأبناء والأخوان ، وكيف يمكن إدخال السرور على محياهم ومحاولة رد الجميل على الدعم الذي وجدته منهم لأصل الى مستوى وظيفي جيد في بنك من أكبر البنوك في المملكة .
لذا قررت أن يكون هذا هو طريقي الثاني بعد الالتجاء لله والتفقه في الدين وعمل أعمال الخير ..
رابعا : فكرت ايضا في أقرب الناس لي بعد الأهل والأقارب وهم الأصدقاء المقربون الذين قضيت معهم سنوات طويلة لم تفرقنا أمواج الدهر ولا غيوم السنين ، ووجدت أنهم يستحقون مني أن أخصص لهم وقت خاص للتقرب أكثر من السابق
والتودد لهم ومشاركتهم افراحهم وأحزانهم عن قرب وكان هذا طريقي الرابع .
وأخيرا وليس أخيرا ، محطة التقاعد هي محطة لا أعتقد أنها محطة عمل ولكنها محطة تقرب الى الله في اخر العمر ثم تقوية الأواصر العائلية ودعمهم بكل ما أملك كما دعموني سابقا، ويأتي بعدها الأصحاب والأصدقاء لمراجعة واعادة شريط
ذكريات الصداقة والسنين الجميلة الراقية معهم .
خاطرة خطرت في بالي وأحببت أن أشارككم مضمونها وقد يختلف معي الكثير وهو حال البشر ، والاختلاف لا يفسد للود قضية ، وهي مشاركة مني بما دار في خاطري وفؤادي .
*
التطلع للكتابة يجدد النشاط ويثري الفكر انا كتبت الشعر والادب وانت كتبت الاجتماعيات وهذه من جماليات الحياة
وفقكم الله.