إن تداعيات الظروف الحالية في تطبيق مبدأ التباعد الجسدي لتقليل فرص انتشار فيروس كورونا ، ترتب عليه بقاء أفراد الأسرة معاً في المنزل لفترات طويلة،مما وضعهم أمام اختبار حقيقي، يقيسون به مدى صلابة علاقاتهم، ومدى نجاحهم في تكوين أسرة متماسكة .
ومن المفترض أن تكون الأسرة واحة الأمان والاستقرار والسعادة لأفرادها، وأن تكون العلاقات فيها مبنية على المودة والمحبة والعطف ، وأن يحرص كل فرد فيها على سعادة الآخر، سواء في إطار العلاقة الزوجية، أو في علاقة الآباء بأبنائهم ، أو في علاقة الإخوة بعضهم البعض .
ولتحقيق ذلك الاستقرار ، تبقى الحاجة ماسةً إلى اعادة ترتيب تلك العلاقات على أساس الجدل الحواري،القائم على الإقرار بحق الطرفين المتحاورين في الاحتفاظ بقناعاتهما، لذلك يجب أن تعود الأسرة للحوار الجيد مع الأبناء وتقبل الآراء الناقدة مما يقود الى كسب ثقة الطرف الآخر واحتوائه ، ليحيا الفرد في أسرته بأمان، والأرقى من ذلك أن تستغل الأسرة هذه الفترة لخلق مزيد من التقارب والتعاطف بين أفرادها، والارتفاع بمستوى القيم الإنسانية التراحمية في نفوسهم.
ومما يعين الأسرة على تحقيق ذلك الاستقرار هو : غرس ثقافة الحوار والتفاهم وتبادل الآراء وفن الإصغاء للآخر وحل المشكلات بحكمة، وترويض النفس على الحِلم وعدم العصبية والانفعال، وكسر حدة الملل بتنويع الأنشطة التشاركية في المنزل، سواء كانت قراءة أو برامج هادفة أو التسلية واللعب والأنشطة الرياضية ونحوها.
ولعل فيما قدمته الأخصائية الاجتماعية بوحدة الخدمات الإرشادية الأستاذة / بدور عسيري في لقاءها ” عن بعد” يوم ١٤٤٢/٧/٢٦ مع أولياء الأمور بعنوان ( حوارنا مع أبنائنا ) والطرح المميز الثري وما عرضته من محاور هامة عن ” ماهية الحوار وأهميته وأنواعه ومعوقاته ، وأسباب قلة الحوار مع الأبناء ، وطرحها لآليات ووسائل تساعد على تفعيل الحوار مع الابناء” كل ذلك كان عطاء من نبع الإرشاد لأسر متعطشة للتوجيه الهادف الذي يصب في مصلحة الأبناء ويُحقق لهم حياة آمنة مستقرة .
وفي دراسة علميَّة بحثيَّة عن العنف الأسري وعلاقته بالحوار داخل الأسرة أعدتها الدكتورة انتصار بنت سالم صبّان ، توضح وجود نسبة مرتفعة من العنف الأسري داخل الأسر في المجتمع السعودي بلغت نسبته 39.8%،ووجود نسبة مرتفعة من الحوار السلبي داخل الأسر في المجتمع السعودي بلغت (50.5) خصوصًا في الأسر التي تُعاني العنف الأسري.
وبينت دراسة الباحثة جواهر القحطاني أن نسبة (20-25%) من الأبناء في مجتمعاتنا العربية يعانون من الإحباط والكبت من ضغوط الحياة بسبب غياب حرية التعبير أو ممارسة الحوار والمشاركة الفاعلة في حل المشكلات مما يجعلهم يلجأون إلى العنف بوصفه تعبيراً عن الرجولة.
ولعل تلك النتائج تؤكد على أهمية خلق الجو الآمن والحوار الايجابي الهادف في الأسرة لما يترتب عليه من حماية للأبناء من التعرض للعنف أو الوقوع فيه أو التعرض للمشكلات النفسية .
وفي ملف فتحته جريدة ” المدينة ” عرضت فيه لآراء بعض الشباب والشابات حول أسباب غياب الحوار الأسري ورد فيها :
– إن غياب الحوار الأسري يأتي بسبب اقتصار حديث الآباء والأمهات غالباً على التوجيه والإرشاد والبعد عن الاهتمام بموضوعاتنا واهتماماتنا التي دائما ماتكون محط استخفاف منهم.
– إن غياب الحوار ليس كما يعتقد الكثيرون أنه بسبب تعلقنا بالسوشيال ميديا، وإنما لغياب التقاط المشتركة بين الأهل والأبناء، فاختلاف الأجيال أصبح مشكلة لبعض الأهالي الذين يفضلون ما اعتادوا عليه فقط، وليس لديهم استعداد أن يتفهموا جيلنا ويتشاركوا معه، بل بالعكس يرون أننا جيل لاهدف له ولا قيمة، وقائمة انتقادهم عليه تطول.
– سبب ارتباط الشباب بالعالم الافتراضي لأنه الأقدر على استيعاب أفكارهم وما يدور في رؤوسهم بدون انتقاد أو رفض أو استهجان، بعكس الأهالي الذين غالبا ما يكونوا متحفظين معهم، ولذلك يغيب الحوار لاختلاف الاهتمامات.
ومن خلال آراء الشباب السابقة حول أسباب < الحوار المفقود > في الأسرة نقف على باب المسئولية التي تقع على عاتق الآباء من خلال غرس أسس الحوار الجيد لكسب الابناء واحترام آراءهم وبناء شخصياتهم الايجابية بما يحقق لهم الاستقرار النفسي والاجتماعي.
رسالة تربوية لكل أم و أب :
أبناءكم سعادة .. اقتربوا منهم .. احتووهم وحاوروهم بايجابية واكسِبوهم ثقة .. تحموهم من مخاطر قد تواجههم خارج جنتكم .