الاستاذة أم السعد إدريس - جدة
ما أروع منظر النهر ، وماؤه الرقراق يجري من المنبع إلى المصب ..وهو في رحلته تلك التي قدَّرها له الخالق عز وجل يمر بمراحل شباب ونضج وشيخوخة ، يقوم خلالها بعمليات نحت ونقل وترسيب ؛ ليست تشكِّل مجراه فحسب ، بل تغير من طبيعة الأرض الجغرافية حوله ، وتزودها بكثير من الكنوز والخيرات .
وكم هو رائع ذلك الإنسان الذي يقضي رحلة حياته كالنهر الجاري ، ماؤه الرضا الذي ينبع من ثقته بعدل الله سبحانه وأنه لا يظلم أحدا ،
ومن ثم يصب ذلك الرضا على هيئة الخير والنفع الذي يقدمه للعالم من حوله .
ويعمل جاهدا في كل مراحل حياته لتغيير نفسه ثم تغيير ما حوله للأفضل .
إن الرضا الحقيقي من أقوى دوافع العمل والإيجابية ، وليس كما يظنه البعض مجرد استسلام ومشاعر سلبية ، تقود إلى الكسل والتذمر دون أدنى محاولة لتغيير الواقع .
ومن هنا ندرك أن القناعة والعزيمة هما من أهم روافد نهر الرضا ، فبهما يستثمر الإنسان أقصى ما لديه من إمكانات دون استسلام أو شعور بالإحباط أو النقص .
وَمِمَّا يجسد الرضا كسلوك عملي :
- أن تعمل بجد لتغيير ما أنت مكلَّف بتغييره ، وما سيحاسبك عليه خالقك جل وعلا . ويتحقق ذلك بالسعي الحثيث لتطوير ذاتك من جميع الجوانب ( الروحية - العقلية - الاجتماعية - البدنية ) ، ليظهر أثر ذلك في نفع المجتمع من حولك ضمن دائرة تأثيرك .
- أن تتكيف مع ما لست مكلفًا بتغييره ، ولن يحاسبك الله عليه ، مثل نوع جنسك ، وسِماتك الخَلقية ، ومستوى قدراتك الذهنية والبدنية ، وكل ماهو خارج دائرة تأثيرك ، فلست مسئولا عن إصلاح الكون وحدك . وذلك التكيف لايعني الاستسلام ؛ بل أن تعمل لما خُلقت من أجله وهو عمارة الأرض مستثمرًا كل ما وهبك الله من قدرات وإمكانات .
- أن تتجنب البحث والتقصِّي في تفاصيل معيشة من فضَّلهم الله عليك في الرزق المادي ، فهذا مما يجعلك تزدري نعمة الله عليك . والمطلوب هو النظر في أحوال من هم دونك ، فذلك مما يُرقّق القلب ، ويدفع للجود والإحسان .
✨ومضة ✨
سيظل نهر الرضا جاريا ؛ طالما روافده من القناعة والعزيمة باقية .