على قدر سعادتي وفرحي بقرب موعد فرحة ولدي الكبيرة وأن أراه سيداً مسئولاً مستقلاً يبدأ حياة جديدة مع من إختارها قلبه ..على قدر شجن كل أم ترى طفلها المدلل الذي تخشى عليه من نسمة الهواء أن تضره وهي تراه يكبر أمام ناظريها شيئاً فشيئاً ابتداءاً منذ كان في تجويف بطنها وهي تعد الأيام والليالي حتى تراه بعينها ..وبعد أن يخرج وتكتحل عينيها برؤيته يبدأ إنتظار من نوع آخر ..متى تراه يأكل وحده ؟ومتى تراه يمشي لوحده ..؟ثم متى يدخل المدرسة ؟وكيف أجعله متفوقاً ؟وكيف أرقبه من بعيد يتحدث مع زملاءه وأقرانه ؟..وكيف أبعده عن قرناء السوء ؟..وكيف أصنع منه شخصية مستقلة؟ وكيف أربيه تربية سوية ..؟وكيف أحميه حتى من نفسه ..؟وكيف علاقته بالله ؟ومانوع علاقته بالله ؟وكم سيحفظ من القرآن ؟..كيف يصلي ويقوم بالفرائض ؟..وكيف وكيف وكيف ؟؟؟ وأياً كان نوع التربية التي يتلقاها وإن كانت صحيحة أو خاطئة ..فهذه أمنيات يتمناها كل الأمهات والآباء ..تلك المثالية البعيدة المنال التي نريدها في أبناءنا ونفرضها عليهم ولا نحتمل خطأهم وكأنهم ملائكة وليسوا بشر ..نعم إننا نريد أبناءنا ملائكة تمشي على الأرض ..وننسى أو نتناسى أن لا معصوم من الخطأ مادمنا نعيش على هذه الأرض ..ولكن النفس تتمنى دائماً الأفضل لفلذة كبدها ..
ينفطر قلبي كلما تذكرت موقف قسوت على ابني فيه ..كلما تذكرت كلمة أزعجته بها..كلما تذكرت صوتاً رفعته عليه ..كلما انتقدته على قرار اتخذه ..ولكن التمس لنفسي العذر لأني كنت أريده أفضل مني ..كنت أريد أن أحميه من أخطاء ومواقف الدنيا القاسية ..لأن وراء كل موقف قاسي كانت هناك رحمة مغلفة ..ووراء كل كلمة مزعجة كان هناك قلب خائف .. ووراء كل صوت ارتفع في وجهه كانت هناك دمعة حائرة...ووراء كل قرار انتقدته كان هناك فكر حاني ..والآن بدأ إنتظار من نوع آخر أكثر جمالاً بالنسبة لي .. ..شعور لا يصفه الواصفون ..فهو أكبر من أن يوصف ..فكلما كان الشيء في غاية الجمال يصبح وصفه صعباً ..فهو سندي وشمعة حياتي ومستشاري الحكيم ..فأنا أرى له مكاناً لا يبلغه إلا الحكماء ..ولا أجمل من أن أوجه دعواتي الخالصة له أن يتم علينا فرحتنا وأن يكون التوفيق والسعادة ورضا رب العالمين حليفه دائماً.