الأستاذة أم السعد إدريس - جدة
لنتخيل أن سيارة منطلقة في رحلة طويلة .. في طريق باتجاه واحد .. لا عودة فيه .
وبين كل محطتين للتزود بالوقود مسيرة عام ..
وقبل وصولها لإحدى المحطات بقليل رأى قائدها إعلانا مغريا عن بعض السلع .. فاتجه صوب منطقة الإعلان المجاور للمحطة ..ليشترى من تلك السلع ..
وانشغل بالتسوق لدرجة أنه نسي أمر التزود بالوقود ..
ولم يتنبه للأمر إلا بعد فوات المحطة واستحالة الرجوع ، واستفاق حينها .. ولكن بعد فوات الأوان ..
فلا مجال للعودة ..
والسؤال المهم .. كيف سيكمل رحلته حتى المحطة القادمة بعد مسيرة عام ،
وما قيمة السلع التي اشتراها وهو لا يملك وقودا يكمل به مسيرته ، وينقذه من المهلكة ؟
لقد أدرك قائد تلك السيارة بعد فوات الأوان أنه أخطأ في ترتيب أولوياته ، فمن الخطأ الكبير أن يشتري سلعا بإمكانه شراءها طيلة العام . أما تفويت المحطة السنوية فكان غلطة عمره .. ولعله يتداركها إن وصل المحطة القادمة .. هذا " إن وصل "
إن حال قائد تلك السيارة كحال المسلم الذي أغْرَته الإعلانات المتنوعة قبيل رمضان .. مسلسلات و برامج رمضانية تافهة المحتوى .. مآكل ومشارب .. ملابس العيد .. وغيرها ..
فينغمس في تلك الأمور الهامشية .. ولا ينتبه إلا وقد فاته رمضان ولم يتزود فيه بوقود إيماني يدعمه لبقية العام .
إن رمضان هو المحطة السنوية للتزود بالتقوى وصالح العمل وفيه ليلة تعدل عمرا كاملا أو تزيد ..
إنه محطة التغيير للأفضل في جميع مجالات الحياة ..
إنه نقطة الانطلاق للتحرر من أسر الشهوات .
وبالتأكيد لا يفرط فيه إلا محروم .
فهاهو رمضان قادم ..
فلندع الله بصدق أن يبلغنا رمضان وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمالنا .
ولنعقد النية والعزم على أن تكون كل لحظاته عبادة لله ، بمفهوم العبادة الواسع وهي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
ولنرتب أولوياتنا حتى لا تضيع تلك الأوقات الثمينة فيما لا يهم ولا يفيد ..
وليكن نفعنا فيه متعدياً ، فالمؤمن يحب لأخوانه المسلمين ما يحب لنفسه ، وخير الناس أنفعهم للناس .. والتقوقع والانغلاق المبالغ فيه لا يحقق نفع الآخرين .
اللهم بلغنا رمضان واجعلنا فيه من الخيرين المصلحين النافعين لأنفسنا ولمجتمعنا ولجميع المسلمين وتقبل منا يارب العالمين.