أحمد الحربي
إن أسوأ ما يحدث للإنسان أن يحول بينه وبين المعرفة بعضًا من المال أو بضعة أصدقاء يختلفون عنه بالإهتمامات، إن تلك الأشياء تصبح
أحيانًا تافهة وأحيان أخرى شيئًا يعجز الشخص كسره،
إنها تتفاوت على حسب البيئة المحيطة وسيكولوجية الشخص.
قبل فترة وجيزة كان أحد الأصدقاء يصور كتبي
التي اقتنيتها من معرض الكتاب الدولي، وراح يقهقه،
وعلى عادة ما يتراءى لنا في سطحية المظاهر، اعتقدت
أنه يسخر مني بحكم أنه يختلف عن نظرتي للكتب،
تساءلت ببشاشة لأكتم غيظي: لماذا تضحك وأنت تصور كتبي ؟
قال هو ما زال يضحك: أغيظ أختي في سبيل المزاح، سببت لي إزعاج
كانت تريد أن أشتري لها بعض الكتب من المعرض وأنا لا وقت لدي بسبب أشغالي .
صعقتني الإجابة التي لست على نسبة ضئيلة من تخمينها،
كنت على إدراك أن ليس ثمة أشغال تأخذ كل وقته ورحت ساهيًا في هذا الموقف، أكثر ما جال في عقلي سبر
أغوار هذا الألم الذي لا يشعر به الذين يختلفون عنا من ناحية
الفكرة عن الكتب، تذكرت الألم الذي يأتيني حينما أقرأ
في غرفتي بسكن العمل ويغتصب خلوتي أحد الأصدقاء
ضاربًا بعرض الحائط قداسة ما بين راحتيّ غير آبه بالضغط
الذهني الذي أحاول تطويعه على فهم ما في بطون الورق،
قارنت ذلك الألم بالألم التي تتعرض له هذه الفتاة، شعرت بالرعب وحمدت الله أني لست في موقفها، جل ما تتمنى
بعض الكتب ولكن تقع ضحية وطأة قصور الفكر، وهل هناك
ما هو أسمى وأعظم وأنقى للمرأة من هذه الأمنية ؟
لا أقصد ما ذكرته للتو مقتصر على المرأة دون الذكر
ولكن لأنها بشكل عام تقع في بعض الأحيان ضحية الرجل،
أليس من المحزن والغبن أن يسخر شخص ما من فكرك ومعتقداتك،
شعرت بالحنق، كان لزامًا علي أن أدافع عن القاسم المشترك مع هذه الفتاة، كان الذي يحوم في رأسي أننا إزاء عدو لابد من محاربته ( الفكرة السيئة نحو الكتب ) وإنقاذ هذه المسكينة النبيلة التي وجدت المتعة والفائدة في آنٍ واحد عكس الكثير من
الأخريات، أخذت أحدثه واستفتحت الحديث بسؤال: هل تسمح
أي شخص يستهين بعادات وتقاليد عائلتك ؟
رفض قطعًا وكانت ملامحه أقرب للغضب .
قلت له: أنا فخور بأختك أكثر منك وأكثر ما يبرهن على ذلك
كتبي ومزاحك السحيق الذي لا تعلم أنه يمزقها، إنه بمثابة من
يسخر بتقاليد الناس والدين الذي يهتدون إليه، هل يرضيك أن أختك
تستمع لصديقتها وهي تخبرها عن هدايا الكتب من أخيها
وتتذكر سخريتك هذه وتنحسر ألمًا وكمدًا، كيف تعتبر نفسك رجلاً
إن لم تكن عظيم في عين أختك أولاً، ناشدتك الله أن تصادقني
القول هل ضميرك يرتاح لهذه السخرية ويجد بها قلبك من متعة ؟
ألا تعلم أن الكثير من محيطها يدفعها أسيره للأفكار المغلوطة السائدة وهي تحارب هذا الفيلق بالكتب وأنت ! أنت
الذي يتوجب عليك مساندتها تكون نقمة عليها، اسمح لي يا صديقي أن تتدارك الوضع قبل أن تقل منزلتك في نظرتي،
ربما لا تهمك نظرتي وتدعم اللامبالاتك بتلك المقولة "رضا الناس غاية لا تدرك" وفعلا أتفق معك من ناحية ولكن أختلف
من جهة أخرى، علينا أن نهتم بنظرتهم في المسلّم به من كل النواحي وفي كافة الأطياف وذلك يولّد رضاهم .
كان أنذاك مطرق الرأس، شعرت بأن كلامي مثل الصفعة
حينما رأيت وجهه تتفاقم به الإنفعالات، حينها أيقنت أنه
اقتنع بما قلته، أكملت قولي: عهدتك شهم وأعلم أن لكل إنسان
هفوات تسببها الغفلة لذلك ما رأيك أن تستعير من مكتبتي
بعض الكتب لتقدمها لها لعلك تبني ما أفسدته ووافق فورًا
بعنفوان اللهفة مثل القاتل المأجور الذي يبحث عن الغفران
وهو يلفظ ما تبقى له من الوجود في احتضاره،
قلت له: عليك أولاً أن تسألها هل تحب الأدب ؟
تناول هاتفه وفي غضون دقيقة نظر لي وهو بشوش الملامح
قال: نعم، تحبه كثيرًا وذكرت أنها عشقته حينما
وقع بيدها كتاب يعود للأدب الألماني، هل كتب ألمانيا لا خوف منها ؟
أجبته: في كل شيء ثمة خير وشر والشخص كلما زادت معرفته لا خوف عليه ولكن لا عليك سأختار
لها أجود الكتب من مختلف الآداب العالمية، وفي أي وقت
عُد وأخبرني ما تريده من مكتبتي لعلك أيضًا تحب الكتب .
سعد بذلك وشعر بالإرتياح،
فكم من شخص أضحى خاضعًا قسرًا لتلك الأفكار السائدة
في مجتمعنا بمختلف المجالات، وأنا الذي كوّنت استقلاليتي ما زلت أحارب الأفكار التي تصول وتجول في ساحتي .
كثر الله من أمثالك ومن القارئين الواعين.*