حمد عبدالله الفجري - سلطنة عمان
قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً واخفض لهما ُجناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً )
حملته في أحشائها تسعة أشهر عانت الأمرّين كي ُتمم الشهر التاسع سعيدة رغم التعب بحملها ومرتقبة دوماً وبشغف لرؤية صغيرها .
جاء اليوم الموعود وزادت ِحدة الألم والمتاعب والتخوف من الوضع
رأت الموت قبل ما ترى وجهه أو وجهها.
وبمجرد ما رأت أول طفل لها مسحت بيمينها دموع الألم المُمْتزجة بدموع الفرح .. ضمته لصدرها قبلته ونست متاعبها كأنها لم تلقَ شيئاً .
أرضعته لبن لا يجده في أي مكان ولا يشتريه بأغلى الأسعار .. أرضعته حباً وعطفاً وتوحيداً .
سهرت لَتقِر عيناه بنوم هادئ تعهدته كل يوم بعد عناية الله بالرعاية كي يغدو وليداً.. أفطمته نزعت الأذى عنه ارتقبت بشغف رؤية أول ِسنٍ له كي ُيحسن مضغ الطعام .. راعت ضعفه وقلة حيلته فأحاطته بفؤادها ويمينها.
أمسكت بيمينه ليخطو أولى خطواته في الحياة كم َسعُدت عندما سمعته ينطق أولى كلماته بابا –ماما
وكم سعدت عندما انطلق في المشي والتجوال في أركان البيت..
إن مرض مرضت لمرضه وتجافى جنبها عن النوم وما غفت عينها تخاف عليه من حمى تؤذيه أو ريح يمسه أو حر شمس تلفحه أو مطر ُيبلله
أشرقت صباح الغد واستفاق الطفل من مرضه كم كانت سعيدة عندما لمست جبينه والحمى قد غادرته بدأ يمشي بنشاط وهو سعيد سعدت لسعادته وحمدت الله على سلامته.
يوم بعد يوم يكبر الطفل ليحين وقت المدرسة
ياالله …. كم هي سعيدة بطفلها الذي سيحمل الحقيبة لأول مرة متوجهاً للمدرسة .. وكم هي حزينة ومتخوفة لفراقه عنها بضع ساعات …..بضع ساعات
دعت له بالخير وقلبها َيخفق لذالك فرحاً وبشوق تنتظر عودته للبيت لتسأله عن جو المدرسة وعن معلمته وكيف هو شكلها..كأنها بدأت تغار على طفلها من تقاسم هذه المعلمة حبه لها.
عاد الطفل من المدرسة استقبلته الأم الحانية بحضن دافئ وبقبلة حارة كأنه فارقها لعدة أيام.
يكبر الطفل وتكبر معه أحلام الوالدة المتطلعة بشوق لمستقبل طفلها خطت وتخطو معه كل أحلامه طموحه وأفراحه وحتى متاعبه وأحزانه تكبدت معه مشاق الحياة ورافقته مسيرته بقلبها ودعائها تمنت له موفور السعادة والصحة والنجاح الباهر في مشوار الحياة.
سعيدة بكل نجاح يحققه وتعيسة لكل عثرة يتعثرها في دربه, لسانها ما كل وما فتر من الدعاء له ” الله يوفقك….. والله يسترك….. والله يحميك …..والله يرضى عليك”
وتمر الأيام …………….
شهر وشهور وسنة وسنتان وعشر وأكثر ….. يكبر الطفل أو تكبر الفتاة ليصير الواحد منهما رجل وامرأة وحان الوقت ليشق كل منها درباً آخر من دروب الحياة ليستقل كل منهما بحياته الخاصة بحياة زوجية فيها تمنت الوالدة له ولها بالسعادة والهناء
ها هي تخطو معه خطوة أخرى لَتخطب له رفيقة دربه ومن ستشاركه مسيرة أخرى للحياة
إحساس غريب َتملكني عندما وصلت لهذه الفقرة أحسست بشيء من أعلى رأسي لأخمص قدماي …. (ربما هو خوفي على أبنائي) الله المستعان.
إنها ُسنة الله في خلقه ولا تغيير لسننه سبحانه لا إله إلا هو..
كم كانت سعيدة أيضاً عندما رأت وجه عروس ابنها البهي سلمت عليها بحرارة لأنها ستكون يداً أمينة تحمل الأمانة وتصونها وترعاها.
هنا تكاد مهمة الأم تنتهي لتوكل المهمة الثانية لزوجته التي سُتكمل معه نصف الطريق ونفس الأمر بالنسبة للفتاة ستقدمها بعد عناء السنين وهي تراها تكبر أمام عينيها لتُقدمها لزوجها الذي تتمنى أن يصونها في مقل العيون.
رغم سعادة الأم بابنها أو ابنتها وهما على عتبة الزواج إلا أن الحزن لم يفارق قلبها الكبير هي سعيدة حقاً لكن خائفة من أمر واحد فقط وهو :
أن ينساها أو تنساها ابنتها بعد الزواج وتنشغل بحياتها الخاصة وينشغل هو أيضا وتصبح رؤية الأم ربما في الشهر مرة وبعدها في السنة مرة.
استقل كل واحد بحياته الخاصة وعاهد كل منهما أن مستحيل أن ينسى والدته
وتمر الأيام لتكشف المستور ويسقط القناع
الله المستعان …………..خنجر مسموم يطعن قلب الأم
وهو خنجر النسيان والهجر والجفاء …..
كبرت الأم ووهنت وعجزت وصارت كالطفل الصغير الذي لا يستطيع رفع الأذى عن نفسه ولا مد اللقمة لفمه ..
صارت الأم جثة هامدة تتصاعد أنفاسها فقط ,هزل الجسم وضعفت القوة وقل الكلام بل انعدم ’بقيت العينان فقط تتحرك لتتكلم وتقول
الله المستعان …………..
ما استطعت مواصلة الكلام …………..
لتتكلم وتقول ….
أهكذا ربيتك ؟؟؟
أربيتك على الجفاء والنسيان ؟؟؟
أنسيت العهد الذي قطعناه أنك لن تنساني؟؟؟
أهكذا يرد الجميل ….؟؟؟
أهكذا أجازى على قلبي الذي أعطاك كل حنان وحب ؟؟؟
أهكذا أجازى على سهر الليالي ؟؟؟
ثم خاطبت البنت القاسية وأيضا بعينيها فقط
فقالت أنت …. أنت …. ما ظننتُ أن قلبك أقسى!
هناك أمثلة نراها دائماً في حياتنا اليومية
نرى هذا يضرب أمه و هذا يعلو صوته فوق صوت والده ..
فهل من مفكر في حقها ؟!؟