أم السعد فاطمة بنت حسن إدريس - جدة
قصتنا تتحدث عن عملاق وقزم .. يعيشان في مدينتين مختلفتين ، طلب كل منهما من شركة مسئولة عن العمران أن تصمم لكل واحد منهما منزلاً ؛ يتميز سقفه بنقوش بديعة . وحتى يتسنى لهما رؤية تلك النقوش بدون عناء أو حاجة لوسائل مساندة ؛ فلا بد من تناسب ارتفاع سقف كل منزل مع طول قامة صاحبه .
وصدف أن الرجلين يتشابهان في الأسماء ؛ مما تسبب في حدوث خلط عند تسليم البناء الخاص بكل منهما ، فٓسُلِّمَ العملاق منزل القزم ، والقزم منزل العملاق .
وبعد توجه كل منهما لمنزله .. كانت الصدمة ..
فلنتصور بداية ؛ كيف سيكون حال القزم في منزل العملاق ؟
إنه لن يحقق هدفه برؤية نقوش السقف لبعدها عن مجال نظره وذلك الواقع سيصيبه بالألم والحسرة بلا شك .
أما العملاق في منزل القزم فليس بأفضل حال منه ، فهو مضطر للإنحناء طيلة مكوثه في المنزل ، وبذلك لن يرى جماله طيلة وقوفه .. وهذا مصدر إنزعاج ، وقد يصيبه الإنحناء المستمر بتشوهات في عموده الفقري .
وبالتأكيد لم يطق أي منهما صبرًا على ذلك الواقع المرير .. ورجع كل منهما لشركة أخرى لمساعدته في حل المشكلة . لأنه فقد الثقة في الشركة الأولى ، لإعتقاده بأن المشكلة خطأ هندسي في التصميم .
طلب القزم من المهندس الجديد أن يخفض له السقف ليرى نقوشه بوضوح ، فأوضح له أن ذلك سيحدث تشوهًا كبيرًا في السقف ، وربما يعرضه للإنهيار .
واقترح عليه بدلاً من ذلك أن يرفع مستوى أرضية البناء ، فذلك أكثر أمنًا .. وسيبدو ظاهريًا كأن السقف قد انخفض ؛ في حين أن مستوى موضع القزم هو من ارتفع في حقيقة الأمر .
وماذا عن العملاق ؟
لقد طلب من مهندس مدينته أن يحفر له في أرضية البناء ؛ لتهبط عن مستواها الأصلي ، وبذلك ينخفض مستوى العملاق عن السقف متيحًا له حرية الحركة ورؤية جمال النقوش .
رفض المهندس الفكرة قطعيًا ، وأخبره أن ذلك الحفر سيشكل خطرًا على أساس البناء وربما يتصدّع وينهار .
وكحل بديل ، سيرى إمكانية رفع السقف بدون أضرار ..
فإن أمكن نفذه .. وإلا فليس أمام العملاق سوى بيع ذلك المنزل وشراء منزل آخر يناسب طوله .
وهكذا في الحياة ..
كثيرًا ما يجد الإنسان نفسه في مواقف فيها تباين واضح بين مستوى القدرات وسقف الطموح ..
وهذا تحدٍ كبير على الإنسان تعلم كيفية مواجهته .
فمن كان سقف طموحه أعلى بكثير من مستوى قدراته ؛ فمثله كمثل القزم في منزل العملاق .. سيظل يعاني الحسرة والمرارة عاجزاً عن تحقيق أهدافه .
وهذا يتطلب منه بالضرورة أن يرفع من مستوى قدراته ليرقى إلى مستوى ذلك السقف ؛ بتطوير ذاته وتحسين أدائه .
وإذا كانت قدراته محدودة وغير قابلة للتطوير لأسباب خارجة عن إرادته ، عندها فقط يمكن خفض سقف الطموح بدرجة تناسب تلك القدرات دون أن تقلصها وتزيد من محدوديتها .
أما إن كان سقف الطموح أقل بكثير من مستوى قدرات الفرد فهذا كوضع العملاق في منزل القزم .. مطأطئ للأسفل رغم إرادته ، محروم من تحقيق أهدافه .
فيلزمه بالتأكيد أن يرفع سقف طموحه ليقف شامخًا قبل أن يصاب بالتشوه الدائم .
وإن استحال تحقق ذلك بدون ضرر ؛ فيلزمه دراسة إمكانية مغادرة تلك البيئة ، وينفذ قرار المغادرة بدون ضرر أو ضرار ، باحثًا عن بيئة أخرى ترعى الإبداع والطموح وتطلقهما بلا حدود .
الخلاصة
خلقك الله أيها الإنسان لهدف عظيم ، ومنحك قدرات عظيمة ..
لذا كن طموحًا .. وتعرف على مستوى قدراتك الفعلية مستعينًا بالوسائل العلمية الخاصة بذلك ..
وحدد سقف طموحك بحيث يتناسب مع حدود قدراتك ..
ثم استمر بتطوير تلك القدرات ليرتفع معها سقف الطموح .. حتى تصل للقمة دون أن تشعر بالإحباط أوالإعياء .
وقد تضطر في بعض المواقف لخفض سقف طموحاتك ..
ومع ذلك لا بد من الإستمرار في تطوير الذات ورفع مستوى القدرات ..
فغدًا بعون الله ستجد سقف طموح أعلى يتناسب مع قدراتك الجديدة .
✨✨ومضة✨✨
سقف الطموح قابل للإرتفاع وإلانخفاض ..
أما قدراتنا فلا تقبل إلا الزيادة ..
هذا إن عزمنا فعلاً على الوصول لعالم الريادة .
بقلم / المستشارة الأسرية
أم السعد فاطمة بنت حسن إدريس