منال فدعق - جدة


عبارة أوقفتني و عادت بي إلى أكثر من ثلاثون عاما عندما كنت في رفقة والدتي في جلسة نسائية فضفضت فيها إحدى الحاضرات اللاتي تكبرني بضعف سني حين ذاك و هي تحكي قصتها مع زوجها الذي كان غالبا ما يختلف معها على الكلام الذي كانت تحكيه أو تتناقله أحيانا و يردد جملته الشهيرة على حد قولها "لا تهرجي بكلام مو موزون وبلاش كثرة هرج و فكري قبل ما تتكلمي". كانت تحكي مواقف وقصص حصلت لها في بدايات زواجها منه بسبب حبها للهرج وإختلافها معه بخصوص هذا الشأن مما جعلها تقلل الكلام و المشاركة المجتمعية حتى تتدرب على الموازنة. و ختمت حكايتها بالتحدث عن انطلاقها بعد فترة ولكن بطريقة مغايرة أجادت فيها حسن التطبع الذي لازمها حتى وقتنا الحالي و هي جدة لأحفاد تردد عليهم من وقت لآخر تلك العبارة التي تعتبرها الان هدية قيمة أهداها هي زوجها و مازالت ممتنة له عليها.

وماجعلني اذكر تلك السيدة و تلك العبارة الآن و بعد مرور هذا العمر، هو الأسلوب الإستفهامي الذي عُرِضت به العبارة باللغة الإنجليزية في مواقع التواصل . فقد جذبني الشكل الإيجابي الذي أستخدمت فيه الحروف الأولى من كلمة "think" (فكر) لتوجيه أسئلة للتفكير قبل أن نصول ونجول بالحديث و نخرج مالدينا من أجل إرضاء طبع أو كسب جو أو استمتاع بظهور أو حتى مجرد أن لا نبقى صامتين رغم أن السكوت له فوائد في بعض الأوقات.
أسئلة خمسة أساسية تتبعها تساؤلات أخرى إضافية تساعد على إدراك و تصنيف ما سيتم نقله حتى نرتقي فيما نفعل و نقول وحتى لا نكون من الذين قيل عنهم " وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم ".

هل ما سنقوله true حقيقةً فعلا؟. و هل ما سننقله صدقا؟. و هل نحن متيقنون من صحة ما نقول؟ هل هو helpful مساعد مفيد؟. هل من إضافة سيقدمها أم معلومة سينشرها أم فائدة سيعممها؟. هل ما سينقل inspiring ملهم؟. أهو حديثٌ يساعد على التفكير والابداع؟. أيعطي حلولا أم يقود إلى دروباً أم يساعد على تفتيح مدارك؟. هل ما سيقال necessary ضروري؟. وما مدى أهميته؟. أهو معلومةٌ لا تؤجل أم خبرية لا تؤخر وما مدى ضرورة ذكره ؟. و بعد كل ذلك أهو kind لطيف؟. أي ماهو الأسلوب الذي اُستخدم لتوصيل المعلومة، أإيجابي أم سلبي، أجيدٌ أم بذيء ، أمدحٌ أم ذم، ألطيف أم جارح؟

وهكذا اُعتُبرت هذه الكلمات الخمس true, helpful, inspiring, necessary, kind (حقيقي، مساعد، ملهم، ضروري، لطيف) شروط علينا التحقق منها قبل الخوض في أحاديث بإسترسال حتى نحقق النفع مما يقال. وليس ذلك فحسب و إنما فيما ينقل أيضا سواءً كان مكتوبا، مسموعا أو مقروءا. و قيسوا على ذلك أموراً كثيرة في حياتنا وسلوكيات تحتاج منا ضوابط نحددها ليس من أجلنا فقط وإنما من أجل أن تكون منهاجا في التربية لأجيال يجب العمل من أجلهم حتى لانشتكي بعد ذلك منهم . فالجهد الذي نحتاجه في تربيتهم من قراءة وثقافة ومتابعة ووقت ومال أهون بكثير من جهد إصلاح الانحرافات وسوء الخلق والعقوق التي تعتبر أحد نتائج فقدان الانضباط. وإن لم نتمكن من موازنة ما نتحدث به ولم يجيد أبنائنا ذلك فلنأخذ بقوله عليه السلام عندما أخذ بلسانه وقال: "تكف عليك هذا".

https://soundcloud.com/fadaaq-manal/piei51taovp1