إن ضياع الأمانة من مظاهر الفساد في الأرض، ومن علامات قيام الساعة، وحتى الآن لايزال العديد من الناس يفهم الأمانة بمعناها الضيق، المتمثل في حفظ الوديعة، سواء كانت أموالاً أو نفائس أخرى، إن الأمانة كلمة أوسع وأعمق من ذلك؛ فالأمانة إدراك بمسئولية الإنسان الكاملة أمام الله في كل أمر يوكل إليه، وهي أم الفضائل ومنبع الطمأنينة؛ بل إنّ الإيمان نفسه أمانة في عنق العبد؛ فلا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، الأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، وفريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمتها وثقلها، قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}؛ فالأمانة تجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً، وتشمل كلّ ميادين الحياة؛ فالأمانة تتمثل في العبادة: بأن يلتزم المسلم بالتكاليف فيؤدي فروض الدين كما ينبغي، الأمانة صدق في القول وإخلاص في العمل، وحسن في المعاشرة، ورفق في المعاملة، هي المحافظة على أداء الحقوق، الأمانة في حفظ الجوارح التي أنعم بها الله علينا، أولادنا أمانة وودائع من الله.. أموالنا أمانة لدينا يجب أن ننفقها في مرضاة الله، حفظ الأسرار أمانة، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)، وأيضـاً الأمانة بين المرء وزوجه، قال، صلى الله عليه وسلم، (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)، الأمانة في العمل بأن يؤدي المرء ما عليه على خير وجه، والطالب يؤدي ما عليه من واجبات، البيع أمانة؛ فالمسلم لا يغشُّ أحداً، وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، وفي الآخرة يفوز الأمناء برضا ربهم، وبجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وكل إنسان لا يؤدي ما يجب عليه من أمانة فهو خائن، قال تعالى: {إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً} فالخيانة ضياع للدين والدنيا، وقد أمرنا النبي، عليه الصلاة والسلام، بأداء الأمانة مع جميع الناس؛ لأن خائن الأمانة يوم القيامة مذلول، عليه الخزي والندامة، وأختتم مقالي بحديث شريف، (جاء رجل يسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: متى تقوم الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة! فقال: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا وكل الأمر لغير أهله فانتظر الساعة) وبحسب الأوضاع الراهنة التي نعيشها الآن في الساحة على جميع الأصعدة.. فنحن نحيا وننتظر قيام الساعة..