بقلم/ وِداد المانعية - سلطنة عمان
(كنتُ قد كتبت قبل عام أن “تكرار العمل ذاته لا يعني تكرار النجاح! سياسة لايفهمها قطاع الإنتاج لدينا في مختلف المجالات، وأخصّ بالذكر الإنتاج البرامجي والدرامي، فما إن تنجح الفكرة التي تظهر على الساحة لأول مرة حتى يتم تكرارها ومرارا إلى أن تفقد بريق دهشتها الأولى، وهذا يدل على الركاكة في الإبداع وسوء تحديث أفكار جديدة بُغية تعبئة الفراغ لأن الهَدف ليس إثراء فِكر المشاهد إنما إثراء جَيب القناة، وهذا ماقد لمسته اليوم بعد الاطلاع على الاستطلاع السنوي التي تقوم به صحيفَة (الخليج) على 100 مواطن من عدة دول والذي يوضح نِسب المشاهدَة للمسلسلات الخليجية والعربية في شهر رَمضان .
الجدير بالذكر أن الاستطلاع الذي عرض وجهات نظر مختلفة من النقاد والجمهور بشكل عام يتفق على أن الأعمال العربية المكررة والتي اُقتبست من أفلام سينمائية أو أكملت مسيرة أعمال درامية سابقة لم يكن مكانها سوى قائمة “الأسوأ” ذلك أن المشاهد يُدرك مالم يدركه المنتجون، فهو لايقبل بأن يتم الاستخفاف بعقله أو قولبته في إطار محدد لا يتفاعل مع مختلف التغيرات والأوضاع التي يمر بها الوطن العربي عامة والخليجي خاصَة، فأفكار مثل التحذير من المخدرات أو الخيانة الزوجية أو ضحايا الحب لم تعد رائجة وقد ضاق منها المشاهد ذرعا حتى بات لايجد الرغبَة في إكمال ال30 حلقة التي يفرضها الكاتب أو المخرج فرضا على الفكرة المقلَّدة في رأس المشاهد.
ولو نظرنا عن قرب إلى الدراما الخليجية فقد تصدَّر مسلسل “ساق البامبو” – رغم موجة النقد التي هاجمته- قائمة الأكثر مشاهدة، ونافسه مسلسل “خيانة وطن” الذي حاز على إعجاب شريحة كبيرة من المشاهدين، ورغم متابعتي لحلقات متفرقة من كِلا المسلسلين لم أجد عنصر الدهشة الذي يستحق أن نقضي لأجله ثلاثون يوما !
فالأول كان متخما بالتفاصيل الفرعية التي ابتعدت عن القضية الإنسانية في مركز الرواية وهذا مايأسف عليه أي متنبئِ خيرٍ للدراما الكويتية خاصة والخليجية عامة، وأما المسلسل الثاني فقد تطرق إلى قضية حساسة وهي “الأخوان المسلمين” التي تُقسّم الشعوب الخليجية بين مؤيد ورافض لهذه الجماعة.
ليست المشكلة في ولوج السياسة إلى الدراما، أو الخوف من تشويه الفن الجميل بوضع اليد السياسية عليه ولكن الإشكالية في العرض المباشر لهكذا نوع من القضايا!
فماذا أستفيد أنا كمشاهد خليجي في قضايا لا تغذي وحدتي الخليجية؟ وماذا يستفيد المشاهد العربي من هموم متفرّقة- بحثت عن زيادة الشقوق في وحدة متصدعَة منذ زمن – عوضا عن البحث عن هم مشترك ؟
وإن كان لابد لنا أن نرضى بـ “الفن الخليجي المسيَّس” الذي أصبح الثيمة الغالبَة على معظم المسلسلات الخليجية في رمضان فهناك عمل خليجي يجب أن نقف عليه وهو “حزاوينا خليجية” فهذا العمل رغم غيابه عن ساحة التصويت إلا أنه وجبة مهمة خلال هذا العام، فهو عمل درامي كوميدي بنكهة تراثية والأهم أنه من إنتاج التلفزيون البحريني الذي حافظ على نسق احترامه لعقل المشاهد بتقديمه أعمال تلفزيونية لكل العائلة، ففي هذا العمل هناك سعي دؤوب من قِبل المخرج جمعان الرويعي والمنتج القدير عبد الرحمن الملا لخلق وحدة مشتركة من خلال طلب “خمس نصوص شعبية” من كل دولة خليجية بالاضافَة إلى الإستعانة بفنانين من تلك الدوَل.
رغم أن هذا العمل هو امتدادٌ لمسيرة أعمال تراثية عرضها التلفزيون البحريني في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه يحمل رمزية عالية وأفكارا تتفاعل مع الواقع الحالي، والمثال على ذلك في إحدى حلقات العمل : قصة أم تكافح لأجل أبنائها الذين يَغطّون في نوم عميق ويستيقظون فقط للأكل ثم العودة للنوم غير آبهين بالنعمة التي يعيشون في كنفها، وقد بلغَ بهم الخمول إلى رؤيتهم إلى السارق وهو يسرق طعامهم وهم لايستطيعون ردعه، فذلك شيء لم يشقَ فيه أحدهم، وفي نهاية القصة ينهار حال الأم فتخرج من القرية وهيَ كسيرة، عندئذ ينتبه أهل القرية إلى فقدانهم لشيء عظيم!
وهذه الفكرة رغم بساطتها إلا أنها تنبّه المشاهد إلى حال الدول الخليجية وهي تعيش في نعيم “النفط” وما الذي قد يحدث لو نفد هذا النعيم، وغيرها من الحلقات التي ناقشت قضايا تهم الفرد والمجتمع بأسلوب عفوي وتمثيل غير متكلف وهذا جهد يشكر عليه جميع القائمين على العمل.
وفي النهايَة نحن لانستطيع أن نجزم بأن الأذواق قد تتشابه في مختلف الأعمال ولكن ما لا نستطيع إنكاره أن المشاهد باتَ أكثر وعيًا في انتقاء العمل الذي يقدم الاحترام لعقله ويتوافق مع طموحاته لمشاهدة أعمال تلامس واقعه وتطلعاته ،سواء عُرضت بطابع كوميدي، درامي أو اجتماعي أو حتى سياسي فنحن لا ننسف دور هذه الأعمال ووقعها على قلب المشاهد وعقله، ولكن كل مانطلبه هو القليل المميز وليسَ الباذخ الرديء.
(كنتُ قد كتبت قبل عام أن “تكرار العمل ذاته لا يعني تكرار النجاح! سياسة لايفهمها قطاع الإنتاج لدينا في مختلف المجالات، وأخصّ بالذكر الإنتاج البرامجي والدرامي، فما إن تنجح الفكرة التي تظهر على الساحة لأول مرة حتى يتم تكرارها ومرارا إلى أن تفقد بريق دهشتها الأولى، وهذا يدل على الركاكة في الإبداع وسوء تحديث أفكار جديدة بُغية تعبئة الفراغ لأن الهَدف ليس إثراء فِكر المشاهد إنما إثراء جَيب القناة، وهذا ماقد لمسته اليوم بعد الاطلاع على الاستطلاع السنوي التي تقوم به صحيفَة (الخليج) على 100 مواطن من عدة دول والذي يوضح نِسب المشاهدَة للمسلسلات الخليجية والعربية في شهر رَمضان .
الجدير بالذكر أن الاستطلاع الذي عرض وجهات نظر مختلفة من النقاد والجمهور بشكل عام يتفق على أن الأعمال العربية المكررة والتي اُقتبست من أفلام سينمائية أو أكملت مسيرة أعمال درامية سابقة لم يكن مكانها سوى قائمة “الأسوأ” ذلك أن المشاهد يُدرك مالم يدركه المنتجون، فهو لايقبل بأن يتم الاستخفاف بعقله أو قولبته في إطار محدد لا يتفاعل مع مختلف التغيرات والأوضاع التي يمر بها الوطن العربي عامة والخليجي خاصَة، فأفكار مثل التحذير من المخدرات أو الخيانة الزوجية أو ضحايا الحب لم تعد رائجة وقد ضاق منها المشاهد ذرعا حتى بات لايجد الرغبَة في إكمال ال30 حلقة التي يفرضها الكاتب أو المخرج فرضا على الفكرة المقلَّدة في رأس المشاهد.
ولو نظرنا عن قرب إلى الدراما الخليجية فقد تصدَّر مسلسل “ساق البامبو” – رغم موجة النقد التي هاجمته- قائمة الأكثر مشاهدة، ونافسه مسلسل “خيانة وطن” الذي حاز على إعجاب شريحة كبيرة من المشاهدين، ورغم متابعتي لحلقات متفرقة من كِلا المسلسلين لم أجد عنصر الدهشة الذي يستحق أن نقضي لأجله ثلاثون يوما !
فالأول كان متخما بالتفاصيل الفرعية التي ابتعدت عن القضية الإنسانية في مركز الرواية وهذا مايأسف عليه أي متنبئِ خيرٍ للدراما الكويتية خاصة والخليجية عامة، وأما المسلسل الثاني فقد تطرق إلى قضية حساسة وهي “الأخوان المسلمين” التي تُقسّم الشعوب الخليجية بين مؤيد ورافض لهذه الجماعة.
ليست المشكلة في ولوج السياسة إلى الدراما، أو الخوف من تشويه الفن الجميل بوضع اليد السياسية عليه ولكن الإشكالية في العرض المباشر لهكذا نوع من القضايا!
فماذا أستفيد أنا كمشاهد خليجي في قضايا لا تغذي وحدتي الخليجية؟ وماذا يستفيد المشاهد العربي من هموم متفرّقة- بحثت عن زيادة الشقوق في وحدة متصدعَة منذ زمن – عوضا عن البحث عن هم مشترك ؟
وإن كان لابد لنا أن نرضى بـ “الفن الخليجي المسيَّس” الذي أصبح الثيمة الغالبَة على معظم المسلسلات الخليجية في رمضان فهناك عمل خليجي يجب أن نقف عليه وهو “حزاوينا خليجية” فهذا العمل رغم غيابه عن ساحة التصويت إلا أنه وجبة مهمة خلال هذا العام، فهو عمل درامي كوميدي بنكهة تراثية والأهم أنه من إنتاج التلفزيون البحريني الذي حافظ على نسق احترامه لعقل المشاهد بتقديمه أعمال تلفزيونية لكل العائلة، ففي هذا العمل هناك سعي دؤوب من قِبل المخرج جمعان الرويعي والمنتج القدير عبد الرحمن الملا لخلق وحدة مشتركة من خلال طلب “خمس نصوص شعبية” من كل دولة خليجية بالاضافَة إلى الإستعانة بفنانين من تلك الدوَل.
رغم أن هذا العمل هو امتدادٌ لمسيرة أعمال تراثية عرضها التلفزيون البحريني في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه يحمل رمزية عالية وأفكارا تتفاعل مع الواقع الحالي، والمثال على ذلك في إحدى حلقات العمل : قصة أم تكافح لأجل أبنائها الذين يَغطّون في نوم عميق ويستيقظون فقط للأكل ثم العودة للنوم غير آبهين بالنعمة التي يعيشون في كنفها، وقد بلغَ بهم الخمول إلى رؤيتهم إلى السارق وهو يسرق طعامهم وهم لايستطيعون ردعه، فذلك شيء لم يشقَ فيه أحدهم، وفي نهاية القصة ينهار حال الأم فتخرج من القرية وهيَ كسيرة، عندئذ ينتبه أهل القرية إلى فقدانهم لشيء عظيم!
وهذه الفكرة رغم بساطتها إلا أنها تنبّه المشاهد إلى حال الدول الخليجية وهي تعيش في نعيم “النفط” وما الذي قد يحدث لو نفد هذا النعيم، وغيرها من الحلقات التي ناقشت قضايا تهم الفرد والمجتمع بأسلوب عفوي وتمثيل غير متكلف وهذا جهد يشكر عليه جميع القائمين على العمل.
وفي النهايَة نحن لانستطيع أن نجزم بأن الأذواق قد تتشابه في مختلف الأعمال ولكن ما لا نستطيع إنكاره أن المشاهد باتَ أكثر وعيًا في انتقاء العمل الذي يقدم الاحترام لعقله ويتوافق مع طموحاته لمشاهدة أعمال تلامس واقعه وتطلعاته ،سواء عُرضت بطابع كوميدي، درامي أو اجتماعي أو حتى سياسي فنحن لا ننسف دور هذه الأعمال ووقعها على قلب المشاهد وعقله، ولكن كل مانطلبه هو القليل المميز وليسَ الباذخ الرديء.