فمنذ دخول الانترنت المجتمعات؛ وهي تعاني من نمو المواقع الإباحية، ومن تزايد انتشارها، ففي كل ثانية ينزل على الشبكة العنكبوتية ما يلوثها ويفسدها؛ من المقاطع المنحطة، والصور المنحلة ، ففي العام الماضي احتوت مواقعها على (420) مليون صفحة ، والتي يتساقط في فخها آلاف المرتادين لها ، والمترددين عليها، حيث يبلغ المتوسط اليومي لعدد مرات البحث عن هذه المواقع أكثر من (68) مليون طلب ، وعلى الرغم من منعها وحجبها في أغلب البلدان ، لكنها متيسرة ومتاحة للباحثين عنها ، فطرق تخطي الحظر المفروض ممكنة وغير صعبة .
ويقف وراء هذه المواقع القذرة والخطيرة شياطين من الإنس اتخذوها تجارة واسعة، وطريقة مربحة، كحالة تجارة المخدرات، دون النظر في أضرارها الشنيعة على السلوك الديني والأخلاقي ، والجوانب النفسية والاجتماعية والعقلية للشخصية، وهي التي تسبب في المقام الأول متلازمة الانقياد، وهوس الإدمان ، كحال مدمن القمار، أو مدمن التدخين، أو مدمن المخدرات.
ومما هو معلوم أن هذه المواقع الوضيعة؛ يلهث وراءها كل مراهق جانح غير ناضج من الجنسين، سواء كان متزوجاً أم عازباً ، حيث يشبع منها فضوله في معرفة أسرار هذا العالم النتن، كما يتخذها وسيلة خادعة للتنفيس عن غريزته الفطرية ، وظاناً أنها تسدي له سعادة مفقودة ، بينما هي علاقة وهمية خيالية خادعة، تتحول نشوتها إلى إدمان مستمر، ثم تتطور شهوتها إلى انحرافات ومصائب وويلات.
ويعد من أكبر وأهم الأسباب الدافعة لهذا الجنوح قلة الوعي الديني ، و ضعف الوازع الإيماني لدى مرتاديها ، وربما يكون أحدهم مواظباً على الصلوات المفروضة، لكنه ممن اتخذ الصلاة عادة وليست عبادة، حيث: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فمن خشع فيها، وراقب الله تعالى، ردعته الصلاة عن نوازع الفحشاء، وبواعث المنكر.
كذلك فإن مما يوقع الفرد في براثن المتابعة، ويكون ضحية من ضحايا هذا العمل المخل المنحل ؛ وجود رفقاء السوء، وعدم وجود عمل، أو هواية يستثمر فيها وقته وفراغه وتفكيره، كما ذكرت دراسات علمية أن الحرمان العاطفي من الوالدين، أو المصابين بتجربة جنسية في طفولتهم؛ قد يؤدي ذلك إلى الإصابة بإدمان هذه العادة الدنيئة .
وأما الأضرار الجسيمة في انشغال المدمن بتلك المواقع الوضيعة فهي كثيرة، وأعظمها جناية على نفسه هو زعزعة الإيمان ، والتهاون في أداء الفرائض ، والسقوط في براثن الانحرافات كالعادة السرية ، كما إنه مع مرور الزمن تغدو عملية التناسل عملية افتراضية تخيلية، بعيدة عن الواقع، ليبدأ في ارتياد الطريق الذي يجرفه في انحرافات شاذة، أو يهوي به في ممارسات غير شرعية.
وقد ثبت طبياً أن ملاحقة هذه المواقع الساقطة يسبب للجسم إفرازات لكميات كبيرة من هرمونات الدوبامين والتستوستيرون، والاكسيتوسين؛ التي تمنحه شعوراً بالنشوة واللذة، والتي ما إن يعتاد الجسم على كمية بسيطة منها، حتى يطالب كل يوم بكميات أكثر منها ، وبالتالي تتضاعف لدى صاحبه مدة المشاهدة، وتكثر عنده عملية المتابعة.
وأما أضرارها النفسية فهي كثيرة؛ منها السيطرة على الذهن والتفكير، والبطء في عملية الفهم والاستيعاب ، وانخفاض مستوى التذكر والتركيز ، وزيادة السرحان والنسيان، والشعور بالإرهاق العام والخمول والكسل، وقلة الجهد في العمل والإنتاج، والابتعاد عن المناشط الاجتماعية، والمسؤوليات الأسرية .
كما يسبب الانشغال بالمشاهدات الإليكترونية المنحرفة؛ والبعيدة عن الواقع والمنطق والعقل؛ اكتساب ظلمة المعصية، وذل السيئة، مع تغير في المزاج، وسهولة الاستثارة، ووقوع العصبية ، وسرعة الغضب لأتفه الأسباب، وكذلك حدوث اضطراب الأرق وقلة النوم، والميل للوحدة والانطواء، أما الشعور بالحزن والاكتئاب فهو النهاية الحتمية للإدمان على هذه المشاهدات.
فإلى كل مدمن إنقاد لهذه المواقع، ويرجو عفو ربه ، والخلاص من جنوحه وشذوذه ، عليه أولاً أن يكون صادقا في عزمه على ترك هذه المعصية لله تعالى، ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )، وأن يهتم بأمور العبادة التي تمنحه القوة الكافية للانعتاق من قبضة هذا الإدمان ، ومن التوجيهات الربانية: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ، وفي الحديث الصحيح: " النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ ، مَنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ ، آتَاهُ اللَّهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتُهُ فِي قَلْبِهِ ".
كما يلزم المبتلى بهذه العادة السيئة أن يبتعد عن كل مثيرات هذا البلاء ومحفزاته، والوحدة وأفكارها الرديئة، والفراغ ووساوسه وشياطينه، ولهذا لابد له من عمل ونشاطات، وممارسة هوايات ، وتسديد الفراغات، ولابد من مجالسة من يملك الخلق الزاكي، والاتجاه الراقي، وكل ما يسهم في رفع الشخصية وتقويتها عن الأفعال السلبية، والأعمال السيئة.
كذلك لابد من تعويد اليدين والعينين على ارتياد الروابط النظيفة، والمواقع العفيفة، والتي سوف تشغله عن المشاهدات الملوثة ، والملاحقات المضرة ، وفي الحديث الشريف: " ومن يستعفف يعفه الله "، علماً أن دماغ المدمن قادر ـ ولله الحمد ـ على الشفاء منها ؛ حال امتناعه منها، وتوقفه عنها، حيث تعود الخلايا التالفة، والهرمونات المضطرية إلى وضعها الطبيعي، وترجع النفس إلى مسار المتعة الحقيقية الصحيحة ، واللذة الطبيعية السليمة.
الصورة:
http://store2.up-00.com/2015-09/1443590248391.jpg