المناقشة حول الأخلاق المغيبة أمرٌ في غاية الخطورة والأهمية، والوقوع في مأزق الأخلاق أمرٌ محتمل الحدوث في كل ميادين الحياة، رغم أن بيع الضمير أغلى من بيع الروح، وسحق الكرامة أصعب من الموت، ورغم معرفتنا بأن الطريق المستقيم هو أقرب الطرق للوصول إلى تحقيق الأهداف، إلا أنه مع الأسف أصبحت الطرق الملتوية في الغالب هي الجسر المضمون لتحقيق الهدف.. فأين ذهبت قيم الأمس؟ أين منا الصدق والإخلاص والأمانة والكرم والنخوة والأخوة؟ وأين نحن من الغش والكذب والخداع والنفاق إلا من رحم ربي؟! فقد يكون في الظاهر أن الرابح هو من باع ضميره، وهو رابحٌ مؤقت لا يمكن أن يستمر؛ لأن الحياة لا تقوم إلا على قواعد سليمة، والاستعباد يقع ولكنه لا يستمر، والفرق بين الحق والباطل له نتائج ظاهرة على صاحبه، وعلى كل من حوله، فلا يمكن للعدل أن يتساوى مع الظلم، ولا يمكن للعادل أن يشعر بما يشعر به الظالم، إن الانتصار الحقيقي لمن وقف ولم ينكسر أمام التيار المخادع... فالهزيمة لا تعني الخسارة إلا إذا كانت أسلحتها رخيصة، والشر لن ينتصر، رغم أن هناك عينة أدمنت إيذاء البشر وتظن أن من لا يشبهها يكون ضدها، وتجهل بأن الانتصار في النهاية سيكون للشرفاء مهما طالت المعركة، وكلما هزم الشر يشعر الإنسان بالفخر؛ لأنه يختلف عن تلك العينة؛ لأن الأخلاق دائماً على جبين أصحابها نور مضيء، وانعدامها كالوشم الأسود على جبين أصحابها ولا يمكنهم محوه، فالإنسان موقف، وقد يكلفه هذا الموقف حياته، ولكن تبقى المبادئ دائماً فوق المصالح، ويعيش أصحاب المبادئ في ضمير الأجيال، فنقطة الحسم لا تتوقف عند فترة محددة، والتي غالباً من يربح فيها هو صاحب الضمير النائم، ولكنه ربحٌ وقتي وزائل، فماذا يعني ضياع الفرص؛ إذا كان الثمن ضياع القيم وموت الضمير؟! إنّ عالماً بلا أخلاق لا يعني إلا خللاً في المعايير، وغياب الحس الإنساني، وإحلالاً للأنانية والانتهازية، وسيادة لأخلاقٍ بعيدةٍ كل البعد عن تعاليم ديننا الذي أمرنا بأن نخالق الناس بخلق حسن، وفي النهاية سينتصر الخير بكل أشكاله ووجوهه؛ لأن الصادق في قرارة نفسه متأكد بأنه المنتصر بأخلاقه، مهما لوّن الآخرون الحقيقة، فلا يزال هناك من يتمسك بقيمٍ باتت اليوم بحكم الغائب، وما زالت تؤمن بأن يد الخير الرقيقة ستكسر يد الشر القاسية فئة لا تنزعج إذا لمست إنكار بعض من قدمت لهم الخير لجميلها أو جحودها، ولا تستسلم لوساوس الشيطان، فتكره العطاء بدعوة أن بعض البشر لا وفاء لهم، وإنما تواصل طريقها اعتماداً على أن ما يضيع عند الناس لا يضيع عند الله، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، وقد تكون ما قدمته خيراً مستتراً يحجب شراً مستطيراً، وتثق في أن ثواب الآخرة خير وأبقى، فالنهايات دائماً جميلة، فالله جلّ جلاله ليس بظلام للعبيد..