منال فدعق - جدة
منذ الأيام الأولى لشهر شعبان، بدأت معظم المتاجر الغذائية بتزيين أماكنها بالأوشحة الحمراء ذات النقوش الإسلامية التي اعتدنا على رؤيتها في رمضان. وليس هذا فحسب، بل و دعم رفوفها بالمواد الغذائية التي ربما ارتبطت برمضان دوناً عن غيره من شهور العام كعلب الكويكر، شراب الفيمتو الأحمر الشهير و رقائق عجين السمبوسك و غيره مما توفره بفائض كبير عن الاحتياج لدرجة تجعل العين تتأذى من رؤية تكدسه. و نظراً لعدم توفر أماكن للعرض على الأرفف، فقد بدءَ مندوبي الشركات برص الكراتين و الأكياس على الأرض و بناء أكوام منها لتصبح ناطحات سحاب تحجب نظر المتسوق عن رؤية غيرها و بهذا يشعر و كأنه في متاهة لا يعرف من آين يدخل و يبدأوها و كيف يخرج منها. وهذا ما جعلني أتساءل أهي حربٌ ستقوم قريبا و نحتاج فيها مؤونة غذائية لأننا لا نعرف ما نتائجها؟! أم هو هجوم نقوده نحن و يلزمنا التجهيز له بالعتاد و العدة؟! أم هي نهاية العالم و إما أن "نلحق نأكل" أو نموت جوعى؟! أم هو انغماس في لذة الطعام لندلل أنفسنا و حجتنا في ذلك الصيام البريء من تلك السلوكيات..
هذا قُراءي الأعزاء نقلا عما شاهدت أثناء جولتي في أحد المتاجر الآسبوع الماضي و التي لم أتمكن من استكمالها نظرا لحالة الدوار التي أنتابتني من هول ما رأيت. و تذكرت قائمة رمضان التي قامت إحداهن بإرسالها عبر الواتس متبرعة رغبة منها في مساعدة الآخرين والتي عنونتها بجملة "يا جماعة اللي ما سجل طلبات البيت لشهر رمضان، تنسخ هذه القائمة أسهل لها". و سردت ما يزيد عن مئة صنف دون مبالغة و طلبت تمرير الرسالة لأكبر عدد داعية لمن يقوم بذلك بمضاعفة الأجر. أطلقت حينها ضحكة مدوية تحولت فجأةً إلى دموع باكية على أحوالنا و ما وصلنا إليه. ماذا جرى لنا يا ترى؟! و إلى أين سنصل؟! و إلى متى سيظل الحال كما هو عليه؟! و ماذا تركنا لأبنائنا تعلمه من خلال هذه المشاهد؟! و ما هو قدر الإساءة الذي ألصقناها برمضان، شهر الخير؟! و ماذا حققنا من وراء الصيام إذا كانت نظرتنا محصورة على الطعام بهذا الشكل؟! و هل أصبح صيامنا عادة أم عبادة؟! و أنهلت علي أسئلة كثيرة و استمرت دموعي في الإنهمار خاصة وأنني استرجعت جملة سمعتها من أخصائية العلاج التشيكية في آخر جلسة لوالدتي قبل أسبوعين عندما قالت: "أنتم كمسلمون لديكم دين رائع، و لكن تطبيقكم للدين أساء إليه". و دون طلبي للتفصيل، أضافت قائلة: "بعد أسابيع تستقبلون رمضان، و تثبتوا روعة التجلي و الترفع وصفاء النفس وتدّعون أن أحد أسباب صيامكم هو الإحساس بالفقراء و الجوعى منهم خاصة. و تصوموا ساعات النهار الحار الطويل. لكن انظري ماذا تفعلون بمجرد أن تغيب الشمس؟؟!! تنقضوا على الأكل و كأنكم في مجاعة وتمتلئ أطباقكم بأنواع لا تحصر و طيبات وتعوضوا أضعاف ما فاتكم تناوله أثناء الصيام وتنسوا الشعور بالجوع و تحاربوه وهذا ما يثبت قمة التناقض ليس في دينكم بل في فهمكم له و تطبيقكم".. زدت ألماً ولم أتمكن من الرد نظرا لأنه اليوم الأخير و الوقت لم يسعني إلا أن أقول لها: " رأيك عزيزتي لا يمكن تعميمه " و مازلت انتظر الفرصة للعودة مرة أخرى لمقابلتها بعد تجهيز ردود أقوى لكي أتمكن من الرد عليها بما يقنعها. وحين يتم ذلك، سأنقله لك صوتا و كلمات..
مشهد رمضان ما هو إلا واحدا من مشاهد كثيرة أصبحنا نعيشها وقد نكون أبطالها تناقض ما يجب أن يكون ويحدث وخاصةً إذا كانت متعلقة بالدِّين مما نحتاج إعادة النظر فيه مرة أخرى. كل عام وأنتم بخير والى الله أقرب و رمضان كريم و الله بِنَا حليم.