• ×

قائمة

Rss قاريء

كبرت الأنا ..

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

منال فدعق - جده

في عودتي للمنزل قبل أيام، شد انتباهي إعلان ٌ كبير لحلوى شهيرة يكاد لا يخلو بيتٌ من محبيها. واستوقفت السائق على استغراب منه لأُعيد النظر في الإعلان الذي كان يحوي ما لا يقل عن ستة أنواع من الكتكات ما بين محشي باللوز أو التوفي أو النوجا أو مغطى بالكاكاو الأبيض.
و استعدت شريط ذكرياتي مع الكتكات بالذات الذي كانت لي طقوس في أكله بل ولحس ورقته. وتذكرت "أبو إصباعين" بغلافه القصديري ثم "ابو أربعة"الذي استمر بنفس طعمه الأساسي إلى أن تحول كغيره من الحلويات إلى أشكال وأنواع , وأحجام وألوان ، من أجل إرضاء الأذواق والأهواء والأعمار. وايقنت أن "الأنا" في ازدياد وتضخم وإن لم نتدارك استفحالها، سيزداد الأمر سوءاً ولا أعرف أين سنصل وماذا سيحدث لنا ؟!! وليس الخوف علينا ولكن على أبنائنا وأجيالنا القادمة. علماً بأن صغار السن منهم لا يدركوا معناها ومفهومها إلا أنّ سلوكنا معهم وتربيتنا لهم و تفاعلنا في بعض المواقف، عزز لديهم الإستعلاء والإصرار على الرغبات لا شعورياً وكبرت معهم الأنا كما كبرت مع غيرهم. فالأنا مخزن الرغبات والغرائز وتعني حب الذات وإن لم تجد من يوقفها عند حد، فلا مانع لديها من الاستمرار في طلب المزيد. و هذا ما جعلنا نصل لمرحلة الرغبة في الحصول على كل شيء. وأصبح الغالبية يتخبط من أين وبماذا يبدأ و ماذا يعمل من أجل ذلك مع أن أهدافهم ستتحقق لو ساروا على منهجية "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا".
والكتكات ما هو الا مثال بسيط من أشياء كثيرة تفنن المسوقين لإقناعنا بها و تزيينها لنا لتتماشى مع أذواقنا. خاصة وأن الرائج والعام لم يعد يعجبنا بل زاد الطلب على التخصيص والتميز والإنفراد في مطاعم وطعام، وحقائب وملابس وسيارات، و علامات تجارية و أماكن تجميلية و قيسوا على ذلك أبواب وجبهات فتحت من أجل إرضاء تلك الأنا .
وحسبنا ما كتبه الإمام البوصيري من أبيات في التحذير من هوى النفس حيث قال:

فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوِّي شهوة النَّهم
و النَّفس كالطِّفل إن تهمله شبَّ على
حبِّ الرَّضاع و إن تفطمه ينفطم
‏ ‏فاصرف ‏هواها ‏و حاذر ‏أن ‏تولِّيه
إن الهوى ما تولَّى يُصمِ أو يَصِمِ
‏وراعها ‏و هي ‏في الأعمال ‏سائمةٌ
و ‏إن هي ‏استحلت ‏المرعى ‏فلا تسم
‏كم حسَّنت لذَّةً للمرء قاتلة
من حيث لم يدر أنَّ السُّمَّ في الدَّسم
و خالف النَّفس و الشَّيطان و اعصهما
و إن هما محضاك النصح فاتَّهم

فقد لفت النظر لحقيقة هامة وهي أن كسر شهوة النفس لا يكون بالإفراط في المعاصي. وكما أن الطعام يقوي شهوة النهم، فإن فعل المعاصي يزيد شهوة النفس الأمارة بالسوء. ثم شبه النفس بالطفل. فكما أنه يكبر و يشيب على حب الرضاع اذا تركته أمه، فإنه ينفطم و يمتنع اذا منعته منه. وكذلك النفس من تركها تعِبُّ من الشهوات، تزداد في طغيانها. ولذا أمر الإنسان أن يجتهد في أن يصرف هوى النفس وأن يحذر من استيلائها عليه لأنه اذا استولى على الإنسان يقتله أو يعيبه على الأقل. وحذّر البوصيري من تركها ترعى وتفعل ما تشاء فلطالما حسّنت متعة للإنسان هي في حقيقتها قاتلة. وختم بالنهي عن طاعتها والشيطان سواءً وقفا من الإنسان موقف الخصم أو موقف الحكم، فلكلٍ مكائده.
رزقنا الله القناعة والرضا وجعلنا ممن ترك شيئا من أجله ليُبدلنا خيرا منه. ولنرضى بكتكاتنا التقليدي فقديمك نديمك. 

بواسطة : منال فدعق - جده
 0  0  1.4K

التعليقات ( 0 )

جديد المقالات

بواسطة : فاطمه احمد

في زحام الحياة، نجدنا محاطين بعدد هائل من...


بواسطة : محمود النشيط إعلامي بحريني متخصص في الإعلام السياحي

يجهل بعض من عامة الناس، والسياح في بعض الدول...


القوالب التكميلية للمقالات